::
شهدت مدينة عدن صباح اليوم لقاءً ضمّ مختلف الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية سعيًا نحو بناء توافق سياسي قد يساعد على تخفيف التوترات المتصاعدة إلا أن غياب التعليق الرسمي من المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره أبرز مكوّن سياسي في الجنوب أثار تساؤلات في الأوساط السياسية ومع أن الصمت قد يُفسر على أنه تردد، إلا أنه في الحقيقة قد يكون جزءًا من استراتيجية تكتيكية مدروسة يلتزم بها المجلس .
يرى المجلس الانتقالي أن التزام الصمت في هذه المرحلة يتيح له البقاء على مسافة آمنة من أي التزامات جديدة قد تفرضها هذه اللقاءات ، تاركاً المجال لتقييم نتائجها قبل اتخاذ موقف رسمي حيث ان التجربة السياسية في اليمن شهدت سلسلة من التفاهمات التي لم تُنفّذ بشكل كامل أو أثمرت تغييرًا فعليًا ، مما يجعل المجلس يميل إلى الحذر والتحفظ ، منتظرًا بوادر حقيقية على التزام الأطراف الأخرى بتعهداتها .
إضافةً إلى ذلك فإن صمت المجلس يحمل رسالة ضمنية لبقية الأطراف في الداخل والخارج مؤكداً على قدرته في اتخاذ قراراته دون تأثيرات خارجية أو انخراط في مناورات سياسية قد لا تتماشى مع رؤيته ويبدو أن المجلس يسعى في هذه المرحلة إلى تعزيز صورته كقوة جنوبية مستقلة قادرة على فرض شروطها بمرونة دون أن تُجبر على الإفصاح عن مواقف أو قرارات قبل الأوان كما أن هذه الاستراتيجية تحمل رسالة موجهة للأطراف الإقليمية بأن المجلس يلتزم بموقف يحفظ استقلاليته في اتخاذ القرارات بعيداً عن أي ضغوط خارجية .
لكن في الوقت نفسه فإن صمت المجلس قد يخلق تحديًا داخليًا فقاعدته الشعبية تتطلع إلى مواقف حازمة تُعبر عن تطلعات الجنوب وتحقق قضاياه ، مما قد يُلزم المجلس بتوضيح استراتيجيته لأنصاره وشرح أن هذا الصمت هو جزء من نهج يهدف إلى حماية مكتسبات الجنوب وتفادي الدخول في التزامات قد لا تصبّ في صالحه على المدى الطويل .
لا يمكن فصل هذا الصمت عن سياق التفاهمات السابقة مثل اتفاق الرياض ، الذي مثّل خطوة هامة على صعيد العلاقة بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية ورغم توقيع المجلس عليه إلا أن تعثّر تنفيذه أفقده الثقة في أي التزامات لا تُدعم بخطوات عملية ما جعله يتجه إلى الحذر في موقفه الراهن حتى يرى التزامًا حقيقيًا من الأطراف الأخرى .
في النهاية يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى لتجربة استراتيجية “الانتظار الحذر”، حيث يُبقي على موقفه الصامت ليتجنب الانخراط في مسارات قد لا تتوافق مع مصالحه ومصالح الجنوب ويظهر كطرف استراتيجي يقيّم المشهد بعناية هذا الصمت وإن بدا متحفّظًا يحمل دلالة على نهج سياسي يحاول استثمار الفرص دون أن يقيّد حركته بمواقف مستعجلة .