تحليل..هل ستنتهي الحرب في اليمن ؟ بعد الاتفاق السعودي الايراني في الصين

17 مارس 2023آخر تحديث :
تحليل..هل ستنتهي الحرب في اليمن ؟ بعد الاتفاق السعودي الايراني في الصين
أسامة الشرمي

بعد الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في العاصمة الصينية بيجين بين السعودية وإيران ، يتطلع العالم إلى إنهاء الحرب في اليمن ، بإعتبار القوتين الإقليمية السعودية/ايران هما الفاعل الاقليمي والدولي الأهم على هذا الملف ولطالما جرى تعريف هذه الحرب أنها حرباً بالوكالة تخوضها ايران على الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية ، وهو ما دعى الرياض للإستجابة إلى طلب الحكومة الشرعية بالتدخل العسكري ، وعلى ايقاع تهاوي الدولة اليمنية بيد المليشيا المدعومة إيرانياً تشكل التحالف العربي لدعم الشرعية وشن اولى غاراته الجوية على الحوثيين في مارس ٢٠١٥

لذا هل سينهي الاتفاق السعودي الايراني حرباً شاملة دارت رحاها لأكثر من ثمانية أعوام على كامل الجغرافيا اليمنية ، هذه الحرب التي بدأت فعلياً قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات بين ذات الاطراف المحلية الحوثيون من جهة ويقابلهم الحكومة الشرعية في الطرف الاخر!

– محطات الحرب اليمنية

 بدأت الحرب بين الحكومة اليمنية ومسلحي جماعة الحوثي عام ٢٠٠٤م على اثر تمرد مقاتلين يتبعون المذهب الزيدي قاده حسين الحوثي مؤسس الجماعة انتهت العمليات بإنهاء التمرد ومقتل بعض قادته على رأسهم حسين الحوثي واعتقال اخرين على ذمة الاحداث.

  سجل أول حضور اقليمي للحرب ٢٠٠٩ فيما يطلق عليها الحرب السادسة عندما قامت عناصر حوثية بالهجوم على مواقع عسكرية سعودية خارج الحدود اليمنية ولم يتوقف الحوثيين إلا بعد التمركز في جبل دخان وتوزعوا على ٤٨ موقعاً داخل الأراضي السعودية، كما ضبطت قوات خفر السواحل اليمنية قارب صيد على متنه ٥ ايرانيين بحوزتهم اسلحة ايرانية مضادة للطيران كانت في طريقها للحوثيين، بعدها اعلن الرئيس السابق صالح أن قيادات الجماعة المعتقلين اعترفوا بتلقيهم الدعم من إيران.

 

– المصالح الأقليمية

لم تكن القوى الإقليمية هي السبب في اشعال فتيل الحرب في اليمن على الأقل علناً ، إلا أن تقاطع المصالح الدولية في اليمن هي ما جعلت من هذه الحرب أكبر ازمة انسانية في التاريخ بحسب تصنيف الأمم المتحدة، لهذا نحتاج تفكيك المصالح الدولية في اليمن وهي تتوزع كالتالي:

أولا السعودية؛

ترتبط المملكة العربية السعودية مع الجمهورية اليمنية بحدود برية يبلغ طولها ١٤٥٨ كيلو متر بالإضافة للحدود البحرية على مياه البحر الأحمر ، هذه الحدود تحتاج لتأمينها إمكانيات لا يستطيع أحد تحملها إلا في حال التعاون بين الجانبين في علاقة يعمها السلام ويحكمها ميادئ حسن الجوار ، ولطالما كانت هذه الحدود والعلاقة على ضفتيها واحدة من أهم الملفات التي شغلت كل المسؤولين بمختلف مستوياتهم في البلدين.

بالإضافة للأمن العربي المشترك وأمن ممرات الملاحة في البحر الأحمر والعمالة اليمنية في الخليج والاستثمارات السعودية في اليمن والعلاقات الاجتماعية ومحاربة الإرهاب والهجرة الغير شرعية كلها وأكثر من ذلك تجعل المصالح السعودية في اليمن لا متناهيه ، ويهم صانع القرار السعودي سلامة حدوده وعمقه الجنوبي بكل الوسائل المتاحة.

ثانياً إيران:

منذ قيام ثورة الخميني في طهران تولدت لدى الإيرانيين احلام امبراطورية توسعية لخصتها في شعار تصدير الثورة ، وبعد أن بددت هذه الأحلام لأكثر من عقدين من الزمان على خط الدفاع العربي الشرقي متمثل في نظام صدام حسين في العراق، بعدها خرجت الأطماع الايرانية الى حيز الوجود إثر غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية في عام ٢٠٠٣

ارتكز المشروع الإيراني التوسعي على ثلاث غايات رئيسية ، هي : ١- تعزيز منظومة الدفاع الداخلي نووياً وتكنولوجياً ، ٢- السيطرة على ممرات الملاحة الدولية (أمن المضائق) ، ٣- تصدير المذهب الشيعي ودعم الأقليات الشيعية في بلدان المنطقة؛ وفي سبيل تحقيق هذه الغايات الاستراتيجية وضعت ايران نصب اعينها سيناريو المواجهة مع كل الدول في المنطقة ولاسيما تلك التي تمثل قوة إقليمية وتملك تحالفات من نوعاً ما مع المنظومة الغربية.

لهذا كانت اليمن رقعة جغرافية استراتيجية هامة في خارطة المشروع الإيراني ، كونها تطل على مضيق باب المندب الاستراتيجي ، وتحاذي السعودية اقوى الدول في العالم العربي واكبر مصدر للنفط في العالم وترتبطها علاقات استراتيجية مع الغرب ، وتوجد في اليمن اقلية شيعية (زيدية) تدعي المضلومية اسوةً بكل الأقليات الشيعية في العالم.

وليس غريباً التزامن بين استعادة تنشيط الطموح الأيراني في الأقليم بعد غزو العراق في ٢٠٠٣ وأول حرب قامت بين الحوثيين والحكومة في عام ٢٠٠٤ ، وإذا ذكرنا أن حسين بدرالدين الحوثي مؤسس الجماعة كان مقيماً في ايران لعدة سنوات ودرس في جامعاتها وعلى يد مرجعياتها الدينية، فإننا نستقرئ الوسائل التي استعملتها إيران في إطار اهدافها الكبرى، ويذهب التفكير بسبب التستر من قبل الحوثيين على نشاط زعيمهم لسنوات في إيران وعدم توضيح أي معلومات عن تلك المرحلة الهامة من حياتة، أن يكون تم تأهيله عسكريا وتنظيمياً على يد الحرس الثوري الإيراني وهو ما يحاولون اخفاءه، والأمر ينطبق أيضاً على شقيقه عبدالملك الحوثي الزعيم الحالي للجماعة.

 

ثالثاً قوى اخرى

اليمن محط انظار ومصالح دول كثيرة غير من سبق ذكرهم ، فاليمن لذات الأسباب التي أوردناها عن السعودية هي محل اهتمام دول الجوار الأخرى مثل سلطنة عمان، وإن بشكل اقل قلقاً للعمانين مقارنة بالسعودية، واليمن كذلك محل انظار كل المشاريع التوسعية على مستوى الأقليم مثل تركيا وإسرائيل أو القوى الكبرى في العالم مثل أمريكا والصين وبريطانيا وروسيا وحتى فرنسا التي كانت حتى قبل الحرب أكبر مستثمر دولي في اليمن من خلال شركة توتال الفرنسية.

 

المصالح بين الدبلوماسية و الصدام

من الطبيعي أن تتطلع دول العالم إلى مصالحها أو حماية أمنها القومي في أي بقعة ارض تقع داخل حدود دولة أخرى ، فالوسائل الدبلوماسية تستطيع أن تقدم اكثر من طريقة لإدارة هذه التقاطعات في إطار الجغرافيا السياسية للدولة ، على أساس المصالح المتبادلة ، أو وفقاً لمبادئ احترام سيادة الدول عندما لا ترى دولة ما أي مصلحة لها في التعاون مع أصحاب المصالح الدولية، وإن لزم الأمر يكفل القانون الدولي للدولة الحق في استخدام القوة لحماية ارضها وشعبها وثرواتها، هذا في ظل وجود الدولة، لكن عندما تنهار الدول من الداخل! تبدأ المعركة بين الكبار على حماية مصالحهم بأنفسهم.

 

نعود إلى سؤالنا الرئيسي – هل سينهي الإتفاق السعودي الايراني الحرب في اليمن؟

والأجابة على قسمين:

الأول : إذا جرى تنفيذ هذا الأتفاق وصدقت النوايا الايرانية في احترام مضامينه الرئيسية وهي احترام سيادة الدول ، وحسن الجوار، فإن الأتفاق سيفضي إلى وقف شريان الحرب (الحبل السري) الذي تسبب في اندلاعها واعطاها ابعاداً اكبر مما لو كانت مجرد حرب أهليه ، يعنى أن هذا الاتفاق لو جرى توقيعه قبل انهيار الدولة وتم تنفيذه في حينه، كانت الحرب لتنتهي بتوافق اليمنيين أو بسط الدولة اليمنية لسيطرتها على كامل ترابها الوطني ، سواء بجهودها الذاتية أو بدعم الاشقاء حفاظاً على أمنهم القومي وعملاً بقواعد القانون الدولي، وهذا ما لم يحصل.

الثاني: في هذه المرحلة من الصراع لم يعد الشريان الإيراني ذي أهمية بالنسبة للحوثيين ، فبعد ١٩ عاماً على أول تمرد مسلح للجماعة على الدولة ، وما يقترب من ٩ اعوام من السيطرة على مؤسسات الدولة ، امتلكت مليشيا الحوثي خبرة كبيرة في إدارة الأزمة وخلق مصادر تمويل وطرق تهريب السلاح خاصة بها ، وبات لديها اليوم واقعها الجديد الذي تحاول فرضه على اليمنيين والعالم ، وإذا افترضنا احترام إيران لأتفاقها مع السعودية، ستسعى الجماعة بقوة السلاح الذي راكمته أن تطرح شروطاً خاصة بها على الطاولة والتي ستكون بالضرورة على حساب باقي اليمنيين ، واقعاً سيجعل اليمن محتلاً داخلياً و مصدر قلق للسعودية والأشقاء على المدى الطويل وعلى العالم في المدى المنظور ، وحرفياً سيجعل اليمن بيد إيران.

كالأفعى برأسين، رأس تأكل بها من طهران وأخرى لها أنياب تسيل بالسم في صعدة ، إذ لا يكفي أن تقطع الرأس الأيرانية أو تطعمها لتأمن ، مالم تقطع الرأس الأخرى ولا خيار معها إلا قطعها.

 

أنتهى

 

صورة توضيحية لمدى تأثير الأفكار الإيرانية على مقاتلي الحوثي حتى من خلال التحية النازية