“ستسقط آلاف الصواريخ، إغلاق تام للطرق، بيوت ومنازل مدمرة، انقطاع للتيار الكهربائي …. هذا ما ستكون عليه حرب لبنان الثالثة”… في سيناريو حرب متوقعة من سبع صفحات وضعه ياغيل هينيكين، ضابط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي وأستاذ محاضر في الفلسفة العسكرية والتاريخ العسكري والاستراتيجية، ونشره موقع صحيفة “ماكور ريشون” اليمينية الإسرائيلية.
في تقريره المسهب، ذكّر بتهديدات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بـ”إعادة لبنان إلى العصر الحجري”، مستدركاً أن الحرب المقبلة قد تعيد إسرائيل أيضاً إلى العصر الحجري لتجد نفسها مشلولة، وسط دمار هائل للمنازل وطرق مغلقة وبدون كهرباء، لذلك يجب البحث عن آلية لبنية تحتية فعالة. برأيه هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها منع حرب لبنان الثالثة من التحول إلى حرب يوم الغفران الثانية.
ما الذي سيفعله “حزب الله”؟
وفي سيناريو هينيكين أن إسرائيل ستكون محظوظة استثنائياً، إذا اقتصر الأمر على ما حدث في حرب لبنان الثانية، ولكن فعلياً سيكون الأمر أسوأ بكثير، وذلك ليس فقط لأن “حزب الله” يتمتع اليوم بقوة عسكرية أكبر بكثير مما كان عليه في الحرب الماضية.
ويمكن التوقع بأن الحرب المقبلة في الشمال ستصاحبها انتفاضة فعلية وأعمال شغب واضطرابات في إطار ما يعرف باستراتيجية وحدة الساحات “الإيرانية” وترابط الجبهات. ستطلق صواريخ من لبنان وسوريا، بينما ستندلع مواجهات وأحداث في الساحات الفلسطينية الموحدة من قطاع غزة إلى مدينة القدس مروراً بالضفة الغربية وصولاً إلى أراضي عام 1948، المدعومة لوجستياً بالوسائل القتالية التي تمكنت إيران من إدخالها عن طريق التهريب إلى إسرائيل خلال العامين الماضيين.
في الوقت الذي ستتساقط القذائف بكثافة على الجبهة الداخلية، ستكون الشرطة والجيش الإسرائيليان منشغلين بمهام مختلفة.
وتشير تقديرات المنظومة الأمنية إلى أن تنظيم “حزب الله” سيطلق ما يصل إلى 6000 صاروخ يومياً، معظمها سيخطئ الهدف أو يتم اعتراضه، بمعدل 1500 صاروخ يومياً في المناطق السكنية والمأهولة. ولا يشمل هذا التقييم إطلاق الصواريخ بر – بحر على منصة “كاريش”، وهو بحد ذاته سيناريو يمكن أن تكون عواقبه خطيرة للغاية.
عدد الصواريخ التي يمتلكها “حزب الله” أصبحت مسألة خلافية بين الخبراء والباحثين الإسرائيليين الذين يتحدثون عن 40 ألف صاروخ، أو 3 أضعاف ذلك وأكثر، علماً أن احتمال إطلاق كل هذه الصواريخ خلال الحرب ضئيل لأن كل قوة عسكرية تحاول أن تحتفظ لنفسها باحتياط للرد على مفاجآت العدو.
كمية الصواريخ التي سينجح الحزب في إطلاقها، لن تعتمد فقط على عدد ما يمتلكه من مخزون، لكنها في رأي هينيكين ستعتمد على عدد المنصات التي هي أكثر محدودية، إضافة للقوة البشرية المحدودة جداً، وأخيراً سيعتمد كل ذلك على الجيش الإسرائيلي.
وتشكك بعض التقديرات بأن يتمكن “حزب الله” من إطلاق عدد كبير من الصواريخ الثقيلة والدقيقة البعيدة المدى لصعوبة إخفاء منصات الإطلاق. ويمتلك الحزب عدداً صغيراً من الصواريخ البالستية التي تتطلب مشغلين ماهرين ويستغرق إطلاقها وقتاً طويلاً.
وفي السيناريو أيضاً، أن التنظيم اللبناني سيعمل على شل قواعد سلاح الجو الإسرائيلي بتوجيه رشقات متواصلة من القذائف والصواريخ. ومن المستحيل استبعاد إلحاق ضرر بسلاح الجو، وبالتالي الحد مؤقتاً من قدرة إسرائيل على مهاجمة منصات الصواريخ الموجهة إليها.
وأوضح هينيكين أنه من الصعب معرفة الهدف الرئيسي لـ”حزب الله”، فمن الممكن أن يحاول إبطاء تحركات الجيش، وتدمير أكبر عدد ممكن من الوحدات، لذلك قد يكون الفارق بين حرب لبنان الثانية وحرب لبنان الثالثة هو عدد ساحات الدمار، ما سيؤثر في القدرة على التعامل معها.
قد يكون تقدير مقتل 500 مدني متفائلاً جداً، وخصوصاً إذا انهارت المباني، ولم يكن هناك من ينقذ الناس بسرعة، بسبب النقص الحاد في القوى البشرية.
ماذا ستفعل إسرائيل؟
واعتبر هينيكين أن إسرائيل بطبيعة الحال لن تكون عاجزة عن مواجهة صواريخ “حزب الله”، فلديها القبة الحديدية التي لم تكن متوافرة عام 2006، لكن في حال نشوب حرب كبيرة لن تتمكن أنظمة الدفاع الجوي من تغطية كامل البلاد، ولا حتى تقريبياً.
كما أن نظام “مقلاع داود” والأنظمة الدفاعية الأخرى هي سر دفين، لكن أيضاً من الواضح أن قدرتها محدودة، ومن المتوقع أن يقوم “حزب الله”، خاصة إذا ما تلقى مساعدة استخبارية من المتعاونين معه من داخل إسرائيل أو من “الإسرائيليين الأبرياء” الذين سيقومون بتحميل صور بطاريات الدفاع الجوي، بإطلاق رشقات صاروخية كثيفة على هذه البطاريات، من أجل إرباكها.
وإذا ما نجح الحزب في هذه المهمة، فإنه بالطبع سيحاول مهاجمة المزيد من المناطق غير المحمية. ومع استمرار القتال وانخفاض عدد الصواريخ الاعتراضية، ستضطر إسرائيل إلى الادخار في ذخيرتها والاكتفاء باعتراض الصواريخ والقذائف الموجهة نحو تجمعات سكانية كبيرة، وفي أسوأ الحالات ستقوم بحماية الأهداف الحيوية في البنية التحتية فقط.
في المقابل، لدى إسرائيل العديد من محطات توليد الطاقة، لكن في حال حدوث أي ضرر للتوربينة في الخضيرة أو في أسدود، فإن الانخفاض في إمداد الطاقة سيؤدي إلى أضرار قد تصل إلى قطع التيار عن مناطق بأكملها ولأيام عدة، مقابل الحفاظ على إمداد الجيش الإسرائيلي والمستشفيات والمرافق الطبية والأساسية الأخرى بالكهرباء اللازمة.
وهناك خوف من الجمع بين القتال ضد “حزب الله” وسيناريو وحدة الساحات والأحداث التي حصلت عام 2021 أو حتى ما هو أسوأ منها، والذي يمكن أن يضر بتجنيد قوات الاحتياط بسبب الخوف من قطع الطرق ، ما سيجعل من الصعب على الجنود الوصول إلى القواعد.
قد يتغيب أفراد الطاقم الطبي وسائقو الشاحنات من فلسطينيي 48 وغيرهم عن العمل، خوفاً من اعتبارهم من المتعاونين، كما أن توفير الأمن لهم سيزيد من الضغط على الموارد البشرية والقوى العاملة المتاحة والتي ستعاني أيضاً من النقص.
ماذا سيفعل الإسرائيليون إذاً؟
رأى هينيكين أنه من المهم في هذه المرحلة أن يكون الإسرائيليون على دراية بخطورة التهديد، لأن ذلك سيجعل التعامل معه أسهل إلى حد ما. لذلك من المفيد أن يقوم المستوطنون في الأماكن القريبة من الحدود بإعداد خطة هروب سريعة جنوباً. وسيكون عليهم التفكير وإيجاد الحلول وعدم الاعتماد على السلطات وإيجاد طرق الهروب وتخزين الأغذية والماء في حال انهيار الخدمات العامة.
خلال حرب لبنان الثانية انهارت بعض السلطات المحلية في الشمال. مثلاً في مدينة صفد هرب 80 بالمئة من العمال وموظفي البلدية من المدينة، كما فعل جزء كبير من السكان. وفي مثل هذه الحالة لا يمكن لبقية السكان أن يثقوا بالسلطات المحلية حتى لو بقي عدد كاف من الموظفين في المدينة، لأنهم سيجدون صعوبة في العمل عندما تتعرض منازلهم للقصف.
وختم هينيكين تقريره بأن مشروع تدريب “رجال الإنقاذ الخفيفين” وفرق البحث والإنقاذ التابعة لقيادة الجبهة الداخلية والذي بدأ قبل سنوات، ضروري ومثال على التخطيط حتى لو لم يكن كافياً بحد ذاته.
وإذا كانت الحكومة تريد حرمان “حزب الله” من القدرة على إلحاق الأذى بسكان خط المواجهة، فعلى السكان أنفسهم إيجاد الحلول. وسيتعين على جنود الاحتياط التخطيط ليس فقط لكيفية الوصول إلى وحدتهم، لكن أيضاً إذا ما كانوا سيرسلون عائلاتهم إلى أماكن آمنة.