استأنف مركز عدن للدراسات الأدبية والثقافية والاجتماعية نشاطه الثقافي الأسبوعي، مساء أمس الاثنين، بعقد فعالية هامة في مقره بمحافظة عدن، وذلك بعد توقف مؤقت خلال شهر رمضان المبارك. وقد خصصت الفعالية لمناقشة مستجدات الأوضاع في محافظة حضرموت، وخاصةً التداعيات المحتملة للخطاب الأخير للشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، الذي دعا فيه إلى الحكم الذاتي للمحافظة.
افتتحت الأمسية بكلمة ترحيبية من رئيس المركز، الأستاذ الدكتور عوض أحمد حسن العلقمي، الذي أعرب عن سعادته بعودة النشاط وتفاعل المثقفين والمهتمين بالشأن العام.
بعد ذلك، قدم المناضل والباحث حسين الحالمي ورقته البحثية التي حملت عنوان: “حضرموت.. عقدة المسبحة الوطنية الجنوبية”. استعرض الحالمي في ورقته التحولات التاريخية والسياسية التي تشهدها حضرموت، مشيرًا إلى مخططات تفتيت المنطقة العربية منذ سبعينيات القرن الماضي وتزامنها مع فشل المشروع القومي العربي.
وحذر الباحث من أن ما يجري في حضرموت يعكس صراعًا للأطماع الإقليمية والدولية، والتي تسعى لتقسيم الجنوب إلى مناطق نفوذ وثروات، محذرًا من تحويل حضرموت إلى ساحة تنافس بين شركات النفط والقوى الأجنبية تحت غطاء شعارات الحكم الذاتي والإدارة المحلية.
وطرح الحالمي تساؤلاً هامًا: “هل عقدة المسبحة الوطنية الجنوبية توشك على الانفراط؟”، مستعرضًا مواقف القيادات والنخب الجنوبية من هذه التطورات. كما انتقد غياب نموذج سياسي ناجح للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، وافتقاده لمرجعية قوية حتى في عدن، مما أضعف تأثيره في المحافظات الأخرى.
وسلط الباحث الضوء على عدة إشكاليات رئيسية، من بينها: ضعف المكونات السياسية في حضرموت وصمت نخبها، استغلال المملكة العربية السعودية وبعض القوى الغربية للوضع لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، تغذية الخطاب المناطقي واستحضار الرموز التاريخية الحضرمية لإثارة النزعات الانفصالية، وأزمة الهوية التي يعاني منها الخطاب السياسي الجنوبي بتعدد تسمياته وأهدافه.
كما تطرقت الورقة إلى قرار المجلس الانتقالي الأخير بتشكيل مجلس الشيوخ، معتبرًا أن إعلان حلف قبائل حضرموت قد جاء كرد فعل على ذلك، في محاولة لإعادة إنتاج مشاريع قديمة تحت مسميات جديدة.
شهدت الفعالية نقاشات مستفيضة ومداخلات قيمة من الحاضرين، حيث تركزت معظم الآراء على انتقاد أداء المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، وفشله في اختيار ممثلين أكفاء وقادرين على تمثيل المحافظة، وتفضيله لشخصيات ضعيفة أو غير مؤثرة على القيادات القوية.
كما جرى نقاش حول السياسات التي تتبعها المملكة العربية السعودية في حضرموت، واتهامها بتوظيف رموز محلية لخدمة أجندتها الخاصة. وأكد المشاركون على أن المجتمع الحضرمي، المعروف بطبيعته المدنية والسلمية، يرفض سياسات الإذلال والعنف.
وفي ختام الفعالية، أكد الحاضرون على ضرورة قيام القوى السياسية الجنوبية بمراجعة شاملة لخطابها السياسي، وتوحيد رؤيتها تجاه مستقبل الجنوب وهويته، مشددين على أهمية إحياء العمل الوطني الجماعي بعيدًا عن المشاريع الضيقة والتبعية للخارج.
تُعد هذه الفعالية الهامة باكورة نشاط مركز عدن للدراسات بعد عودته، وتؤكد على دوره المحوري في تناول القضايا الوطنية الملحة وتقديم تحليلات معمقة تسهم في إثراء النقاش العام وتقديم رؤى للمستقبل.