من النضال من أجل الشعب إلى النضال من أجل الذات .. قراءة في تحولات المشهد السياسي

10 مارس 2025آخر تحديث :
من النضال من أجل الشعب إلى النضال من أجل الذات ..  قراءة في تحولات المشهد السياسي
ماهر باوزير

في عالم يموج بالتحولات والصراعات، يبدو أن مفهوم النضال من أجل الشعوب بات ترفاً تاريخياً أمام واقع جديد تتصدره المصالح الشخصية والفئوية، لقد أصبح النضال الفردي هو العنوان الأبرز للمرحلة، حيث تتراجع المبادئ والقيم التي قامت عليها حركات التحرر لتفسح المجال أمام صراعات النفوذ والهيمنة .
في اليمن على وجه الخصوص، شهدت البلاد تحولات سياسية كبيرة أسفرت عن تصدّع مفهوم النضال الوطني، فقد أفرزت الصراعات قيادات ومكونات اتخذت من النضال شعاراً، لكنها في الواقع تحولت إلى كيانات تسعى لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة على حساب آمال الجماهير التي لطالما حلمت بدولة عادلة ومجتمع مستقر .

إن الشعارات الثورية التي ارتفعت ذات يوم مطالبة بالحرية والعدالة تآكلت تحت وطأة الحسابات الفئوية والتحالفات الانتهازية، بات المواطن العادي يدرك أن كثيراً من تلك الأصوات التي تصدح باسمه ليست سوى أدوات لتحقيق طموحات ذاتية، بينما يظل هو يعاني ويدفع الثمن من استقراره وحياته اليومية، لقد أصبحت السلطة وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية بدلاً من كونها أداة لخدمة المجتمع، فتراجعت المشاريع الوطنية الشاملة لصالح شبكات النفوذ الضيقة، مما جعل الأمل في استعادة النضال الجماعي يبدو بعيد المنال .

وسط هذا الواقع الملتبس، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في بنية العمل السياسي، وبث دماء جديدة تحمل فكراً إصلاحياً وطنياً يقوم على أسس الشفافية والمساءلة، فالمشهد لا يخلو من أفراد وجماعات ما زالوا يتمسكون بمبادئ النضال الحقيقي من أجل قضايا الشعب، لكن أصواتهم غالباً ما تتلاشى وسط ضجيج المصالح الشخصية والصراعات السياسية المحتدمة .
ماهر باوزير
إن استعادة النضال المخلص تتطلب حركة وطنية حقيقية تتجاوز الحسابات الضيقة وتضع مصلحة الوطن في المقام الأول، يتعين علينا تعزيز الثقة بين المواطن والقوى السياسية عبر تجديد المشروع الوطني وإعلاء قيم التضحية والإخلاص في العمل العام، ورغم مرارة الواقع، تظل الشعوب قادرة على التمييز بين من يناضل لأجلها بصدق ومن يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية تحت غطاء شعارات براقة، وحده الوعي الشعبي القادر على كشف الأقنعة وإعادة بناء مسار النضال الوطني على أسس عادلة وشاملة .