
في كل أمة، هناك مقياسٌ واحدٌ يكشف عن مستقبلها بوضوح: حال معلميها. فإذا كان المعلم مكرمًا، كان الوطن متجهًا نحو النهوض، وإذا كان مُهمَّشًا، كان الانحدار حتميًا. المعلم ليس مجرد موظف يؤدي مهامه اليومية، بل هو صانع الأجيال، ومهندس الفكر، وحارس الهوية. فكيف لو تحول هذا الصانع إلى ضحية للفقر والتجاهل؟ كيف لو أصبح التعليم عبئًا بدلًا من أن يكون رسالةً سامية؟
إن المعلم هو اللبنة الأولى في بناء الحضارات، فهو من يغرس القيم، وينمي العقول، ويهيئ الأجيال للغد. لكنه، في كثير من المجتمعات، يُترك ليواجه أعباء الحياة وحيدًا، برواتب لا تكفي لسد حاجاته الأساسية، وفي بيئة تزداد قسوةً يومًا بعد يوم. كيف لمعلم يعاني الفقر أن يمنح طلابه الأمل؟ كيف لمن يُرهقه التفكير في لقمة العيش أن يكون قادرًا على إلهام العقول وصقل المواهب؟
إن تجاهل المعلمين ليس مجرد خطأ إداري، بل هو جريمة بحق المستقبل. الدول التي تبخل على معلميها تُقامر بمستقبلها، فالمعلم هو الحارس الحقيقي لأمن الأوطان، لأن الجهل هو أخطر الأعداء، وأفتك الأسلحة التي تهدم المجتمعات من الداخل.
ليست قوة الدول في اقتصادها فحسب، ولا في بنيتها التحتية، بل في عقول أبنائها. وحين يُهمل المعلم، تصبح المدارس مجرد جدران خاوية، والمناهج مجرد أوراق بلا روح، ويتحول التعليم إلى روتين عقيمٍ لا يثمر معرفةً حقيقية.
المعلم ليس موظفًا يُؤدي عملاً يوميًا، بل هو قائد يصنع الحضارات. وحين يصبح أفقر موظفي الدولة، فهو إنذارٌ بأن المجتمع اختار الجهل بدلًا من العلم، وأنه يسير نحو مستقبل بلا ملامح.
علينا أن نقرر: هل نريد مستقبلًا مشرقًا أم نواصل الانحدار؟ إذا كان الجواب هو النهضة، فلا بد أن نبدأ من الأساس الصحيح: تكريم المعلم، ليس بالكلمات فقط، بل بالحقوق والاحترام والتقدير الذي يستحقه.
فلا تسألوا عن ازدهار أمةٍ أهانت معلميها، ولا تتوقعوا تقدم شعبٍ جعل من صناع العقول ضحايا للإهمال. فإذا أردنا بناء مستقبلٍ يليق بأحلامنا، فلنبدأ بحماية وصون من يضيئون لنا درب الغد.