قرار حضرموت المستقل .. حلم يتحدى مشاريع الهيمنة

21 ديسمبر 2024آخر تحديث :
قرار حضرموت المستقل .. حلم يتحدى مشاريع الهيمنة
ماهر باوزير

حضرموت، بكنوزها وثرواتها وموقعها الجغرافي الفريد، ظلت على الدوام هدفًا لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي، حيث تتسابق قوى خارجية لإحكام سيطرتها عليها بشكل مباشر أو عبر وكلاء ينفذون أجنداتها، لكن حضرموت ليست مجرد ساحة للصراعات، بل هي كيان تاريخي عريق يمتلك إرثًا من الاستقلالية والقدرة على إدارة شؤونه .
في خضم هذه التحديات، يبرز التساؤل الأهم :
هل بإمكان حضرموت استعادة قرارها المستقل وإعادة بناء واقعها بعيدًا عن مطامع الخارج ؟

المشهد الحالي يشير بوضوح إلى أن حضرموت تعيش تحت ضغط هائل من مشاريع الهيمنة الخارجية، التي تُساق أحيانًا تحت شعارات التنمية أو الاستقرار. هذه المشاريع غالبًا لا تستهدف مصلحة حضرموت وأبنائها، بل تخدم مصالح خارجية تسعى لإبقاء المحافظة رهينة لصراعات تلك القوى، لكن المعضلة الحقيقية لا تكمن فقط في التدخلات الخارجية، بل أيضًا في حالة الانقسام الداخلي التي تضعف أي فرصة لبناء مشروع وطني جامع .

التاريخ يُظهر أن حضرموت ليست غريبة عن النضال من أجل قرارها المستقل، فقد عرفت عبر مراحل مختلفة القدرة على إدارة شؤونها داخليًا بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، وهذا الإرث يشكل دافعًا لأبنائها اليوم لتوحيد صفوفهم والعمل بجدية نحو استعادة قرارهم، وحدة الصف ليست مطلبًا ترفيًا، بل ضرورة قصوى في ظل هذه الظروف، حيث أن استمرار الانقسام الداخلي لا يخدم إلا أولئك الذين يسعون لإضعاف حضرموت والسيطرة على مواردها .

المرحلة الحالية تفرض على أبناء حضرموت التفكير الجاد في وضع استراتيجية وطنية خالصة، تقوم على تعزيز الإرادة الداخلية وتحقيق توافق على مشروع جامع ينطلق من أولويات المحافظة، وليس من إملاءات الخارج، هذا المشروع يجب أن يتضمن إصلاحًا داخليًا عميقًا يعالج القضايا الأمنية والاقتصادية والإدارية ويوفر بيئة حاضنة للكفاءات الشابة التي تمتلك الطاقات اللازمة لإحداث التغيير .

الشباب، بطاقاتهم وإبداعاتهم، هم القوة الدافعة لأي تحول مستقبلي في حضرموت، الاستثمار في تعليمهم وتمكينهم سياسيًا واقتصاديًا يمثل خطوة محورية لبناء مستقبل مختلف، لا يمكن لحضرموت أن تنهض دون إشراك أبنائها في صنع القرار، وهو أمر يتطلب بناء مؤسسات قوية شفافة تدير الموارد بطريقة عادلة تخدم الجميع .

يمكن لحضرموت أن تستلهم من تجارب دول ومناطق أخرى استطاعت تجاوز صراعات النفوذ وبناء مستقبل مستقل، تجربة رواندا، مثلًا، تُظهر كيف يمكن لدولة مزقتها الحروب أن تعيد بناء نفسها على أسس وطنية خالصة، بينما يبرز إقليم كردستان كنموذج لشراكة متوازنة مع المحيط الإقليمي والدولي، مع الحفاظ على استقلالية القرار الداخلي .

إضافة إلى ذلك، تمتلك حضرموت ثروة ثقافية وهوياتية غنية، يمكن أن تكون أساسًا لصياغة مشروعها الخاص، الثقافة والتراث هما القوتان الناعمتان اللتان يمكن لحضرموت استخدامهما لتوحيد أبنائها وتعزيز شعورهم بالانتماء، لكن على الجانب الآخر، يجب أن تُرافق هذه الجهود مساعٍ لتعزيز القدرات الدفاعية والإدارية للمحافظة، لتكون قادرة على مواجهة أي محاولات لفرض مشاريع الهيمنة .

ما يُقلق هو أن الأصوات التي تحاول كسر إرادة أبناء حضرموت ليست دائمًا خارجية، بل داخلية أحيانًا، هناك قوى مرتبطة بالخارج تعمل على عرقلة أي مبادرات وطنية، وتلعب دور المثبط للحفاظ على الوضع الراهن، هذه القوى لا تخدم مصلحة حضرموت، بل تعمل كأدوات لإبقاء المحافظة تحت سيطرة مشاريع الهيمنة .

حضرموت اليوم أمام فرصة تاريخية لا تحتمل التأجيل، يجب على أبنائها إدراك أن القرار بأيديهم، وأن أي تغيير لن يتحقق إلا بتكاتفهم ورص صفوفهم، المطلوب ليس شعارات، بل خطوات عملية تبدأ بتشكيل لجان محلية تمثل مختلف شرائح المجتمع، وتعمل على صياغة رؤية حضرمية موحدة .

على أبناء حضرموت أن يدركوا أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، وأن قوتهم تكمن في توحدهم حول مشروع يخدم مصالحهم ويضع حضرموت في مكانها الطبيعي كقوة فاعلة على الساحة اليمنية والإقليمية، القرار يجب أن يُصنع هنا، من داخل حضرموت، بعيدًا عن الإملاءات والتبعية .

حضرموت لا تحتاج إلى عزلة عن محيطها، بل إلى شراكات تُبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. يجب أن ترفض حضرموت أن تكون أداة في مشاريع إقليمية ودولية لا تخدم مصالحها، وأن تسعى لإقامة علاقات متوازنة تحقق لها الاستقلالية دون التضحية بالمصالح الوطنية .

التاريخ مليء بالعبر والدروس، وحضرموت اليوم بحاجة لأن تستلهم من ماضيها لتبني مستقبلها، هذه الأرض الغنية بثرواتها وإنسانها لا تستحق أن تُباع بثمن بخس في سوق المصالح الإقليمية، الوقت قد حان لأن تكون حضرموت فوق الجميع، وأن تكون مصالحها هي الأولوية القصوى، وأن تُبنى شراكاتها مع الآخرين على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، حضرموت قادرة على النهوض من جديد إذا توفرت الإرادة، واتحد أبناؤها على كلمة سواء، الفرصة مواتية، والتاريخ لن يرحم من يتخلى عن مسؤولياته في هذه اللحظة المصيرية .