تعيش الساحة الجنوبية في اليمن حالة صراع معقدة تبدو فيها الأطراف المحلية مجرد أدوات تستخدمها قوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالحها الخاصة فالمشهد اليوم يعكس توازنات متقلبة، حيث يتبدل ولاء الأطراف المحلية حسب الدعم المالي والعسكري المقدم من الخارج، دون امتلاكها القدرة على اتخاذ قراراتها المستقلة ويتضح من هذا المشهد أن مصير الجنوب لا يزال رهينًا لقوى لا تمت للجنوب بصلة ، بل تسعى لترسيخ نفوذها دون اكتراث بتبعات ذلك على الاستقرار والتنمية .
لا تكاد الأطراف المحلية في الجنوب تحقق أي تقدم حقيقي، فهي محكومة باتفاقات لا تعكس سوى طموحات الرعاة الإقليميين والدوليين وهذه الاتفاقات، وإن بدت على السطح كوسائل لتحقيق السلام، لا تعدو كونها أوراق ضغط تسهم في إبقاء الوضع السياسي مشلولاً وكل طرف محلي يسعى لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد، متغافلاً عن أن دعمه يأتي من أجندات خارجية تسعى لاستغلاله ثم التخلي عنه فور انتهاء دوره.د .
إن الدور المؤقت للأطراف المحلية في جنوب اليمن ، وعلاقاتها الهشة بالممولين ، تخلق بيئة غير مستقرة حيث يصبح “التداول بالأدوات” السمة الأبرز فكلما استنفدت إحدى الأدوات غرضها حلت أخرى مكانها ، في دورة متكررة لا تعزز سوى الفوضى وتُبقي الجنوب في حالة “اللا دولة”، إذ يُباع الوهم ويتجدد الأمل الزائف، في حين أن الهدف الأكبر – المصلحة الوطنية والرفاه الاجتماعي – يتراجع بشكل واضح .
ليس من المبالغة القول إن هذا الصراع يحرق فيه الجميع أوراقهم بسرعة ، فالواقع الراهن لا يوفر لأحد صعودًا طويل الأمد ومن ظهر فجأة واعتلى المشهد بشكل مفاجئ سيتحول إلى ضحية تتقاذفها أمواج الصراع وربما يجد نفسه في النهاية فاقداً لزخمه بلا أي مكاسب تُذكر ، هؤلاء “الطامحون السريعون” إذا قدر لهم النجاة،د سيصلون إلى مرحلة ضعف قد تجعلهم عاجزين عن تحقيق أي نفوذ حقيقي في المستقبل .
في النهاية يبقى مصير الجنوب رهين انتظار قيادات تتحلى بروح المسؤولية وتضع المصلحة العامة فوق المصالح الآنية وإن استمرار حالة “اللا دولة” سيطول إلى أن تبرز قوى جديدة تملك روح الانتماء الوطني وتلتزم ببناء مؤسسات مستقرة تبتعد عن الخضوع للأجندات الخارجية .