تقع حضرموت ، أكبر محافظات اليمن من حيث المساحة، في منطقة استراتيجية تحمل في طياتها تاريخاً طويلاً من الحضارات والتنوع الثقافي وفي السنوات الأخيرة، أصبحت حضرموت مسرحاً لصراعات سياسية واجتماعية واقتصادية، مما يطرح تساؤلات حول مستقبلها في ظل الظروف الحالية.
تشهد حضرموت حالياً تباينات واختلافات داخلية على مستويات عدة. أحد أبرز هذه التحديات هو التوترات بين القبائل المحلية التي تحاول بعض الأطراف استغلالها لتحشيد القوى القبلية. هذه الدعوات للتحشيد تعكس الانقسامات العميقة التي تعاني منها المحافظة، مما يزيد من تعقيد الوضع. من جهة أخرى، تعاني حضرموت من تدهور الخدمات الأساسية وتردي الأوضاع الاقتصادية. السكان المحليون يواجهون صعوبات يومية في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، بينما ترتفع معدلات البطالة والفقر. هذه الأوضاع المعيشية المتردية تُعد وقوداً للغضب الشعبي المتزايد.
حضرموت تعتبر غنية بثرواتها الطبيعية، بما في ذلك النفط والمعادن والثروة السمكية. ومع ذلك، فإن الاستفادة من هذه الثروات لا تزال محدودة بالنسبة للسكان المحليين. يتم نهب الثروات وتهريبها بشكل مستمر، بينما يحصل الحضارم على الفتات منها. هذا الواقع يزيد من شعور الإحباط والظلم بين أبناء المحافظة، الذين يرون ثروات أرضهم تُستغل دون أن يكون لهم نصيب عادل فيها.
تعاني حضرموت من توترات مع الحكومة الشرعية اليمنية والاختلافات في الرؤى والسياسات بين هذه الأطراف تؤدي إلى مزيد من الانقسامات وتعيق جهود التنمية والاستقرار. هذا الصراع السياسي ينعكس سلباً على حياة المواطنين ويزيد من حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تتفاقم التحديات بسبب الانقسامات القبلية. تحاول بعض القبائل والأطراف القبلية تصدر المشهد على حساب الآخرين، مما يؤدي إلى تكرار نماذج الفشل السابقة. هذه الانقسامات تعرقل جهود التوحيد والتنمية وتساهم في زيادة الفوضى وعدم الاستقرار.
الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها حضرموت نتيجة للفشل الذريع للشرعية اليمنية ومختلف المشاريع السياسية الأخرى زادت من تعقيد الوضع. الفساد المستشري وسوء الإدارة العامة يساهمان في تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث يتم إهدار الموارد وعدم استغلالها بشكل صحيح. العجز المالي المتزايد والنقص في الاستثمارات الضرورية يعرقلان التنمية ويزيدان من معدلات الفقر والبطالة.
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها حضرموت، فإن المستقبل يمكن أن يحمل الكثير من الأمل إذا تم التعامل مع القضايا الحالية بحكمة وتبصر. تحتاج حضرموت إلى قيادة قادرة على توحيد الصفوف وتوجيه الطاقات نحو التنمية والبناء. هذا يتطلب جهوداً مشتركة من جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة الشرعية والسلطات المحلية والقبائل. تعزيز الحوار الوطني يعتبر ضرورياً لإيجاد منصة للحوار البناء بين جميع الأطراف في حضرموت، بهدف وضع رؤية مشتركة للمستقبل والتعامل مع القضايا العالقة. تطوير البنية التحتية يعد ضرورياً لتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه لتحقيق الاستقرار وتحسين جودة الحياة. دعم التنمية الاقتصادية من خلال الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المختلفة يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين. تعزيز الأمن والاستقرار يحتاج إلى تطوير قدرات القوى الأمنية المحلية لمواجهة التحديات الأمنية. من الضروري أن تُضمن العدالة في توزيع عائدات الثروات الطبيعية، بحيث يستفيد السكان المحليون بشكل عادل من ثروات محافظتهم.
التوجه نحو تنويع الاقتصاد يمكن أن يكون حلاً طويل الأمد للأزمة الاقتصادية. الاستثمار في قطاعات مثل الزراعة، السياحة، والصناعات التحويلية يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على النفط وزيادة فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك، تطوير السياسات المالية والإدارية للحد من الفساد وتعزيز الشفافية يمكن أن يساهم في تحسين إدارة الموارد وزيادة الثقة في المؤسسات الحكومية.
إن حضرموت، برغم التحديات الراهنة، تمتلك إمكانيات كبيرة للتطور والازدهار. من خلال التعاون والعمل المشترك، يمكن تجاوز العقبات الحالية وبناء مستقبل مشرق يستفيد منه جميع أبناء حضرموت من خلال القيادة الحكيمة والرؤية الواضحة هما المفتاح لتحقيق هذا الطموح وتحويل حضرموت إلى نموذج ناجح للتنمية والاستقرار في المنطقة .