
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
لا أظن أن هناك منطقة من بلادنا الطيبة تخلو من الحكمة والحكماء ، غير أن كثيرا من القرى والمناطق البعيدة عن الحواضر في بلادنا بقيت في عزلة عن أبجديات التعليم إلى زمن غير بعيد ، الأمر الذي جعل الأمية تجثم على صدور تلك القرى والمناطق ، وتمنع عنها تدوين ثقافتها ، وتوثيق حكمها ، ورسم أسماء حكمائها ، ماتسبب في ضياع الكثير من تراثها ؛ كعاداتها وتقاليدها وحكاياتها وأيامها ووقائعها وأحسابها وأنسابها ، فضلا عما أصابها من فعل الأنظمة المتعاقبة ؛ كتصفية المشائخ والحكماء والفصحاء وأرباب الرأي في القبيلة والمجتمع ، بل وصل الأمر إلى أن يمنعوك من إسناد اسمك إلى اسم قبيلتك أو عائلتك لغرض التعارف ، وقبل ذلك إعلان الحرب على معتقدك وثقافتك ؛ لذلك أصبحنا نحن معشر الشباب لانعلم شيئا من حكمة الآباء والأجداد مع أن رسولنا الكريم (ص) قد وصف بلادنا بلاد العرب السعيدة بالحكمة والإيمان ، لذلك فليسمح لي القراء الكرام أن أنتقل إلى جدتي صفية لعلي أظفر بشيء من الحكمة في جعبتها أو خبر مفيد من تجارب الحكماء .
سلام عليك ياجدتي الصفية ، سلام عليك يابني ، وقبل أن تتحرك لساني لإلقاء مايشغل البال سبقتني بالسؤال ، لكن ما الذي جاء بك في هذا الليل البهيم الذي جمع بين الكربتين ، ونسف كل أمل في عودة الفرحتين ؟ لم أفهم ياجدتي ففي كلامك الليلة إبهام يمنع عني استقبال القول والإلمام ، وما الذي لم تفهمه ياشقي الحال والفاشل في المآل ؟ معذرة جدتي ، أنا لم أفهم شيئا من أمر الكربتين ولم أدرك ماذا تعنين بالفرحتين ؟ معك حق يابني أن لاتفهم ذلك ، فلو كنت ممن يفهمون ماصفقت لمن يقتلونك ورقصت طربا على طبل من يعذبونك ، ومع ذلك سأشرح لك المبهم يابني وإن كنت أعلم أن الفهم لديك ضعيف ، وتفكيرك ينبئ أنك سخيف . اسمع يابني أما اجتماع الكربتين ، فأعني بهما كربة الظلمة السرمدية وزفرات الصيف النارية في حاضرة البلاد الحميرية ، وقصدت بغياب الأمل في عودة الفرحتين ؛ الضوء والهواء ، أي لقد فقدنا الأمل تماما في الإنارة ووهج الأضواء ، أو في شيء من تكييف المنازل بالهواء .
الآن فقط فهمت ياجدتي ماحملته ألغازك ، وماوراء أقوالك ، غير أن فحوى زيارتي ومقصد أسئلتي هذه الليلة ياجدتي أن تحكي لي شيئا عن حكماء الصبيحة وماجادت به من الحكمة قرائحهم ؟ اسمع يابني ، إن أرض الصبيحة واسعة ، ولاتقف عند الجغرافيا الممتدة من باب المندب غربا إلى حوطة العبدلي شرقا ، بل تتجاوز هذه المساحة إلى محافظتي ابين وشبوة ، فأولئك أيضا أهلنا ، وأبناء عمومتنا ، وأصلهم أصلنا ، ودمهم دمنا ، وتاريخهم تاريخنا ، وثقافتهم ثقافتنا ، وحكماؤهم حكماؤنا ، فكيف استطيع يابني أن استعرض لك الحكماء ، وماتناثر من زاد معرفي من أفواه أولئك الحلماء ؟ كذلك يجب أن تعلم يابني أن زمننا غير راهنكم ، وماضينا غير حاضركم ؛ إذ لم يكن لدينا مالديكم من وسائل التواصل الاجتماعي ، ولم نكن نعرف شيئا مما تعرفون من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، وغيرها من الوسائل الحديثة التي لم نكن نعرفها نحن وملكتموها أنتم اليوم .
لذلك سوف أحدثك يابني عن أقل القليل ممن سمعت بهم من الحكماء ، وماحفظت ذاكرتي من أقوالهم . أعزائي القراء نلتقي في السردية التالية ، وماتجود به ذاكرة جدتنا الغالية …….







