و أنا ذاهبة إلى العمل جلست في إحدى الكراسي أنتظر قدوم الباص كي يأخذني إلى مكان عملي و أثناء انتظاري التقيتُ بإمراةٍ ليست كبيرة في العُمر و شكلها أيضًا يجزم بِأنها ليست من عدن
و سألتني : هل أنتِ من عدن.
أجبتها بنعم أنا من عدن خُلِقت و ترعرعت بها و لم اغادرها منذُ زمن و أكاد اقضي بقية حياتي بها دون مُفارقتها.
وقالت : أحقًا انتي من عدن؟!
قالتها هكذا بإستغرابٌ شديد حتى كدت أسأل نفسي لماذا كل هذا العجب من كوني أعيش في عدن ، هل مكان معيشتي يستدعي كل هذه الدهشة لا أعلم لماذا كانت ردة فعلها هكذا ، فعم السكوت بيننا للحظة
و فجأة قالت : ماذا يعني لك وطنك؟! أو كيف أستطعتِ المكوث فيها طوال هذه السنين.
لم أُجب على سؤالها و أجبت السؤال بسؤال وقلت : من أين أنتِ أقصد أين تسكنين.
أجابت : أنا لستُ من عدن .
قلت لها : وما الذي جاء بك إلى هنا.
أجابت : مضطرة، أما أنا لا أُحب أن أُعيش بها،
أخبريني أنتي كيف أستطعتِ تحمُل معيشتكِ هنا مع كل هذه الكوارث و الصعوبات مع كل ما يحدث و نسمع عنه في عدن أخبريني؟!.
رأيت الباص قد وصل فاعتذرت منها و قلت : المعذرة منك ، الباص قد أتى و عليّ الذهاب إلى عملي ولكن إذا تلاقينا باكراً سأخبرك كيف أستطتّ أن أعيش في عدن إلى اللقاء.
سمعتها تقول بصوت مرتفع : حسناً سوف أنتظرك هنا وفي نفس التوقيت إلى اللقاء.
و أنا في العمل لم يَكُن تركيزي على شيء إلا على تلك المرأة و كلامُها معي ولماذا تتكلم على عدن بهذه الطريقة.
في اليوم التالي الساعة السابعة صباحاً خرجت مسرعة كي أرى تلك المرأة و أخبرها ووصلت وكنت منتظرة قدومها على أحر من الجَمر.
_ السلام عليكم.
= وعليكم السلام.
_ كيف حالك من أمس لليوم.
= الحمدلله ولكن كنت متشوقة لرؤيتك كي أخبرك عن عدن عن وطني وماذا يعني لي وعن حبي لها و أزيل عنكِ تلك الأفكار التي جعلتك تكرهين عدن و تكرهي معيشتها.
_ تحدثي أسمعك.
حسناً
أتعلمين ماذا تعني عدن أو ماذا يعني لي وطني؟
وطني يعني لي الكثير و خاصةً عدن سأخبرك عنها
هي أُم الدنيا تملك خيرات كثيرة، تحتضن كل من يأتي لا تُفرق
بين أحد كان مسؤول أو عامل بسيط، أما عن حوافيها ” أماكنها ”
كل مكان يوجد بها يُبهِج الروح ، حقًا يجعل روحي متوهجة و لا أُبالغ،
سآخذك إلى رحلة أثناء كلامي إلى بعض الأماكن تخيلي الآن إنكِ على بساط و سوف يطير بكِ بعد ثواني ..
و أول مكان سوف نتجه إليه هو صهاريج عدن من أجمل الأماكن و مناظرها تخطف القلب قبل العين، يأتون السُّياح لزيارتها دومًا ، لإحتوائها على السدود التي تتدفق منها المياه و الخزانات،
نتجه إلى المتاحف و أشكالها و ألوانها الجميلة ذو النحت والرسم المتقن ذات الأشكال الهندسية الرائعة ، تسر الناظرين كل من يأتي إليها ينتابه الذهول من جمال تلك التحف و اللوحات الفنية.
أما عن مصانعها الضخمة التي قد تكون محل رحلات لطلاب وطالبات المدارس ، لمشاهدة كيف تعمل هذه الآلات من تصنيع المعدات و المنتجات ذات صناعة قوية و جودة عالية و لا يوجد مصانع مثل مصانع عدن.
أما الآن سأحدثك عن بعض الأماكن الترفيهية التي يذهب إليها جميع الأشخاص
أطفال ، كبار ، شيوخ ، و كل مكان أجمل من الآخر
كل مكان يبعث السعادة في روح زوارها ، و تقولي كيف لي ألّا أحب عدن و هي تعمل على سعادة روحي؟!.
حسناً سأخبرك عن بعض المقاهي اللاتي يجلسون بها كبار السن و يتبادلون الأحاديث المتنوعة
تارة يتشاجرون عن شيء معين و تارة يتقهقهون ضاحكين عن شيئّا آخر و يتناولون وجبات خفيفة و يشربون الشاي الأحمر أو المزود بالحليب و هكذا يقضون وقتهم قبل غروب الشمس.
أما عن أُناس عدن لا مثيل لهم ولا أحد يشبههم ، يكرمون الضيف يستقبلون الزائر لديهم بكل حب و مودة ، يقدموا المساعدة للمحتاج و يراعون الأيتام و يقولوا الجار للجار هكذا نحن في عدن وهذه هي عدن التي تعني لي المأوى
الأمن و الأمان يوجد بها و نذهب إلى أي مكان دون خوف من أن يحدث لنا شيء ،
عدن يا عزيزتي عنوان آخر للجمال و الحب، ولكنها تعرضت للإغتيال و النصب و الإحتيال من قبل أشخاص ليس منّا،
المعنى بأنهم ليس منا أي أنهم أُناس قساة القلوب نُزِعت منهم الرحمة
تعرضت للخيانة من أقرب الناس لها وما السبب ؟!
لأنهم لا يُريدون أن يَروا بلاد يعمها السلام و الأمان دون أن يقضوا عليها دون أن يزعزوا أبنائها و يجردوهم من قيمهم ، هدّموا مصانعها و أخذوا ما بها مَحو متاحفها و أماكن الترفيه وجعلوها كالوردة الذابلة تريد أن يُحبها أحد ولكن دون فائدة، سلبوا منها أراضيها و أخذوا ثرواتها بالقوة و حكموا عليها بالإعدام ، جُردت من الأمان كل من بها أصبح خائف، أقاموا الحرب لأجل خلق العداوة بين الأخ و أخوه وبين المسلم و المسلم نفسه، فقط لأجل أن ينهوا عدن لا يريدونها أن تكون جميلة كما هي عليه ، زرعوا بنا الحِقد و الكره جعلونا نكره بعضنا البعض، فعلوا كل شيء لتفكيك مجتمعنا، أصبحنا في شتات و إنهيار صحيح أننا تدهورنا ولكن في البعض الذين يحبون عدن مثلي مازلنا متمسكين ببعض ، روح المحبة والسلام متواجدة بيننا لدينا الأصالة ومتحفظين على القيم ولم ننسى ما هي عدن وكيف كانت ومهما حدثَ بها ستظل مدينتي التي أحبها التي مازالت ترحب بالجميع،
ومثل ما عشت بها زمان سأعِش فيها الآن ولن أنسى فضلها ولن أنسى ما هي عدن ولن أشعر بالقرف من وجودي فيها.