سما نيوز /عدن /خاص
الصراع على النفوذ والتهديد بتفكيك النسيج المجتمعي
يواجه جنوب اليمن اليوم منعطفاً خطيراً، حيث تتجاوز الصراعات السياسية الداخلية حدود المنافسة التقليدية، لتصبح مسرحاً مفتوحاً لـ “الاستقطابات الخارجية” التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي. الأنباء والتحليلات القادمة من العاصمة عدن، والمتمثلة في نقاشات النخب والمنتديات، تُطلق صافرة إنذار عالية: هل يتجه جنوب اليمن نحو تكرار “السيناريو السوداني” المدمر؟

الفشل الداخلي ومحرك التفكيك الخارجي
الخشية ليست مجرد تخمينات، بل ترتكز على أساسين قويين: الفشل الداخلي الذريع والتناحر الخارجي المتطابق.
الفشل الذريع للسلطة المحلية: كما أشار الحريبي، المشرف العام للحركة المدنية الحقوقية، فإن فشل المجلس الانتقالي الجنوبي على مدى عشر سنوات في تقديم نفسه كـ “مشروع وطني يعكس تطلعات الشعب” خلق فراغاً سياسياً ومشروعياً عميقاً. هذا الفشل، المتمثل في العجز عن تحسين الأوضاع المعيشية المتردية التي وصلت بالبعض إلى الانتحار، هو البيئة المثالية لنمو الفوضى والتدخل.
تطابق الأطراف المتناحرة: المثير للقلق هو أن ذات الأطراف الإقليمية المتورطة في صراع النفوذ في السودان هي نفسها التي تتناحر في جنوب اليمن. تحت غطاء نفوذ السعودية والإمارات، تتحرك أدوات محلية مدعومة لفرض هيمنتها، مما يرسخ حالة من التوتر السياسي القابل للانفجار في أي لحظة.
“الاستحواذ السياسي” يضعف الجبهة الجنوبية
إن حالة الاستحواذ السياسي التي يمارسها طرف محلي، كالتي يشير إليها المنتقدون ضد المجلس الانتقالي، لم تؤدِ فقط إلى تدهور الخدمات وتفاقم الأزمة الاقتصادية، بل أدت أيضاً إلى تمزيق وحدة الموقف الجنوبي.
في هذا السياق، تكتسب تصريحات القيادي في المجلس الانتقالي، د. عبدالله عبدالصمد، أهمية بالغة، حيث يُقر بأن الاستقطابات الخارجية تستهدف “تفكيك النسيج المجتمعي والسياسي الجنوبي” عبر إغراء الشخصيات والكيانات بمشاريع لا تخدم القضية الوطنية. وهذا يُعري جوهر الصراع: هو “معركة واضحة لضرب وحدة الموقف الجنوبي وإضعاف مشروع استعادة الدولة من الداخل”. وعندما تصبح الجبهة الداخلية منقسمة وضعيفة، فإنها تتحول إلى فريسة سهلة للاختراقات والتدخلات الخارجية.
الانعزال الإقليمي.. هروب من الهيمنة
إن رد فعل بعض المحافظات، مثل حضرموت، بالسعي نحو ترتيب أوراقها وبلورة مشاريع إقليمية مستقلة بعيداً عن هيمنة الشمال والجنوب، هو مؤشر خطير على تآكل الثقة في المشاريع الكبرى. هذا التحرك هو بمثابة تفكك داخلي للمشروع الجنوبي نفسه، ويعكس يأس تلك المحافظات من قدرة الأطراف المسيطرة على توحيد الصف أو تحقيق الاستقرار.
الدعوة إلى الوضوح والقوة في صفوف المعارضة
في ظل هذه المخاطر، تبدو الدعوة التي أطلقها الحريبي لـ “المعارضة” بأن تكون “أكثر وضوحاً وأكثر قوة، وأن لا تتنازل عن مواقفها نتيجة الترهيب بسيناريو مشابه” هي ضرورة ملحة. إن وعي المجتمع هو خط الدفاع الأخير، كما حدث في تخطي أزمة 2019. تقع على عاتق قوى المعارضة اليوم مسؤولية تاريخية في بلورة رؤية وطنية جامعة تتجاوز صراعات النفوذ الإقليمية وتتصدر أولويات الشعب.
الخلاصة: إن السيناريو السوداني ليس قدراً محتوماً، ولكنه أصبح خطراً قائماً بوضوح. الهروب منه يتطلب معالجة فورية لـ فشل الأداء الداخلي ووقف سياسات الاستحواذ والإقصاء. كما يتطلب تضافر الجهود لـ تعزيز الجبهة الداخلية، التي وصفها د. عبدالصمد بأنها “الحصن المنيع”، لأن الجنوب الموحد في موقفه وتطلعاته هو وحده القادر على طرد أشباح التدخلات والمؤامرات الخارجية.
















