المرأة الحديدية التي صنعت من الأرقام مجداً: قصة أيقونة الإبداع والريادة في تنمية القدرات العقلية

29 أكتوبر 2025آخر تحديث :
المرأة الحديدية التي صنعت من الأرقام مجداً: قصة أيقونة الإبداع والريادة في تنمية القدرات العقلية
سمانيوز/فهد حنش أبو ماجد

في مشهد وطني يندر فيه أن تتصدر المرأة ميدان العلوم الذهنية تتألق المدربة الدولية رحاب مختار جراد كظاهرة استثنائية جمعت بين الذكاء والطموح والإصرار لتصبح رمزاً للمرأة الحديدية التي كسرت القيود، وفتحت لنفسها طريقاً وسط عالمٍ يسيطر عليه التحدي والعزيمة والعقل، فقد استطاعت أن تضع اسم وطنها عالياً في ساحات التنافس الدولي، وتُثبت أن النجاح لا يعرف جنساً ولا حدوداً، بل يُصنع بالإيمان والحلم والجهد والمثابرة والإصرار.

الأستاذة رحاب جراد وكيلة برنامج RH.MAS للحساب الذهني في اليمن ومدرّبة معتمدة في مجال تنمية القدرات العقلية، تمثل اليوم واحدة من أبرز الشخصيات التربوية في الساحة التعليمية. بدأت رحلتها من قناعة عميقة بأن الاستثمار في العقول الناشئة هو أساس بناء الوطن، فتبنّت برنامج الحساب الذهني كأداة علمية لتنمية التفكير السريع والقدرات التحليلية والإبداعية لدى الأطفال، لتصنع من الأرقام لغةً نابضة بالحياة والفكر.

وبجهودها وإصرارها حققت إنجازاً عالمياً لافتاً عام 2023م حين نالت المركز الأول في التصفيات النهائية لمسابقة الحساب الذهني الدولية التي نظمتها أكاديمية التعليم المبدع متفوقةً على عشرين مدربة من دول عدة بينها ألمانيا، وسوريا، والأردن، ومصر، وقطر، والسعودية. وقد اعتبرت ذلك الإنجاز وسام شرف لبلدها ودليلاً على أن المرأة قادرة على المنافسة العالمية متى ما أُتيح لها المجال.

ولأنها لا تؤمن بالنجاح الفردي بل تصنع المجد الجماعي أشرفت رحاب جراد على تدريب الطفل عبدالله محمد أحمد العمري الذي حصد مركز البطل عالمياً في بطولة RH.MAS لعام 2023م متفوقاً على أكثر من 385 مشاركاً من 15 دولة، وسبق لها أن دربت الطفلة شمعة إبراهيم التي أحرزت اللقب العالمي في عام 2022م ليغدو نجاح طلابها شاهداً على عمق عطائها وتميّز منهجها التدريبي.

وفي سياق سعيها المتواصل لنشر ثقافة الحساب الذهني في وطنها نظمت رحاب جراد البطولة الوطنية الثالثة في محافظة لحج عام 2024م بمشاركة 172 طالباً وطالبة من مختلف الفئات العمرية وسط تفاعل واسع من الأوساط التعليمية والأسرية لما لهذه المسابقات من دور في تعزيز التفكير المنطقي والقدرة الذهنية لدى الأطفال.

كما نظمت دورة تدريبية نوعية في محافظة أبين عام 2024م بمشاركة 23 مدرباً ومدربة من 22 مدرسة حكومية بهدف تأهيل كوادر تعليمية قادرة على تدريب الطلاب في المدارس على مهارات الحساب الذهني الحديثة.

وفي ديسمبر من عام 2024م استكملت في محافظة أبين البطولة الوطنية الثالثة، وتولت قيادة فريقها الوطني المشارك في البطولة العالمية السادسة التي أُقيمت في 27 فبراير من العام التالي بالمملكة العربية السعودية، ليُسطر فريقها إنجازاً عالمياً غير مسبوق باكتساحه منافسات البطولة وتحقيقه مركز البطل في جميع المستويات بجدارة واستحقاق.

وتواصل رحاب جراد اليوم مسيرة عطائها بعزيمة لا تلين إذ تستعد لإقامة البطولة الوطنية الرابعة للحساب الذهني في الخامس عشر من أكتوبر القادم بمحافظة لحج بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وبمشاركة واسعة من المتسابقين من محافظات عدن، ولحج، وأبين وسيتأهل منهم 30 متسابق للبطولة العالمية السابعة للحساب الذهني في خطوة جديدة تؤكد مدى إصرارها على ترسيخ هذا البرنامج الوطني وتوسيع رقعته في المدارس الحكومية والأهلية.

وفي ظل ما حققته من إنجازات وطنية ودولية، ينظر إليها كثيرون بوصفها امرأة حديدية اقتحمت مجالاً استثنائياً، وحققت فيه ما عجز عنه كثيرون، مثبتةً أن المرأة ليست فقط شريكة في التنمية فحسب، بل قادرة على قيادتها حين تتسلّح بالعلم والعزيمة والإصرار. وقد غدت تجربتها مصدر إلهام للكثيرين، ولا سيما للأمهات والمعلمات اللواتي وجدن فيها قدوةً ونموذجاً يُحتذى في الإبداع والتميّز.

تطمح رحاب جراد اليوم إلى تأسيس أول معهد متخصص في الحساب الذهني في وطنها ليكون منارةً علميةً لتأهيل المعلمين وتنمية مهارات الطلاب في التفكير والتحليل، وإلى نشر ثقافة الإبداع الذهني في كل بيت ومدرسة إدراكاً منها أن بناء العقول هو الطريق الأوحد لبناء الأوطان. وتقول في إحدى كلماتها الملهمة:
“الطفل اليمني لا يقل ذكاءً عن أي طفل في العالم، لكنه يحتاج فقط إلى من يؤمن به ويفتح له الأبواب.”

إن قصة رحاب جراد ليست مجرد سيرة مهنية لمدرّبة ناجحة، بل حكاية امرأة آمنت بفكرتها حتى أصبحت رسالة وطنية، ونسجت من الأرقام حكاية إبداع تروى في ساحات التعليم. إنها اليوم رمزٌ للريادة النسائية، ومصدر فخر لبلدها، ووجهٌ مضيءٌ يعكس جمال الإرادة حين تتجلى في أبهى صورها.
فبخطواتها الواثقة، ونجاحاتها المتتالية، أثبتت أن المرأة الحديدية يمكنها أن تصنع من الأرقام أجنحةً، ومن الحلم واقعاً، ومن الإرادة مستقبلاً مشرقاً لوطن يستحق العزة والتنمية.