العدالة الانتقالية لا يمكن أن تُبنى على مداميك الظلم، ولا على شرعنة الجرائم والفساد. إنَّ أي مسار حقيقي نحو تحقيق العدالة الانتقالية والخروج من مستنقع الفساد المؤسسي يتطلب بالضرورة أن يستقيم القضاء أولاً؛ ليصبح سلطة مستقلة وحرة ومنيعة ضد النفوذ والتدخلات.
إنّ من يعتقد أن شرعنة الإجرام، والنهب، والظلم ستكون حلاً لإرضاء مراكز القوى الفاسدة، يتبنى مقاربة تفتقر إلى العقل والمنطق السياسي السليم. العدالة ليست خياراً تفاوضياً، بل هي مطلب وجودي لأي دولة تسعى للبقاء.
وبغض النظر عن الطرح الهام الذي يتقدم به الأخ المستشار نبيل العمودي، فإننا ندرك جميعاً حجم المأساة والكارثة التي تعتري سلطة القضاء حالياً. وللأسف، الأغلبية الساحقة أصبحت اليوم فاقدة للثقة في منظومتنا القضائية.
ويكفي ما حدث من تعسف قضائي بحق رئيس نقابة يمارس دوره النقابي في كشف ملفات المرفق العام، لتتساءل الجماهير والنشطاء: أين هي الإصلاحات القضائية المعلنة؟!
لقد شهدنا ممارسات قضائية تبعث على العجب في اتخاذ الأحكام، وفي انتهاك حقوق المتهمين بقضايا مُلفقة تُحركها قوى نافذة. هذه الممارسات لا تسيء للقضاة كأفراد، بل تُهدد ركائز الدولة وتُعمّق الفجوة بين السلطة والمواطن.
ورغم كل هذا، لا يزال الأمل باقياً في اتخاذ خطوات إصلاحية أكثر جرأة وشفافية. إننا نطالب بشكل فعلي وضاغط بـ اجتثاث الفساد من جذوره داخل سلطة القضاء، التي أصبحت للأسف تفوح منها رائحة فساد مؤسسي تهدد مصداقيتها. الإصلاح يجب أن يكون عملية لا رجعة فيها تضمن استعادة هيبة القضاء كملاذ أخير للجميع.




















