حضرموت بين الحشد والحشد المضاد: ذاكرة التحرير وصراع التمثيل

23 أبريل 2025آخر تحديث :
حضرموت بين الحشد والحشد المضاد: ذاكرة التحرير وصراع التمثيل
ماهر باوزير

في الذكرى التاسعة لتحرير المكلا وساحل حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة، تتجدد دعوات الاحتفال، غير أن المشهد هذا العام لا يشبه سابقاته، فقد تحوّل الاحتفاء إلى مساحة لقياس النفوذ، واختبار الإرادات، وصراع علني على شرعية التمثيل السياسي في حضرموت .

اللافت في هذه المناسبة أن الدعوات جاءت من جهتين مختلفتين : المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وحلف قبائل حضرموت من جهة أخرى، كلا الطرفين يرفع رايته الخاصة ويدّعي تمثيل حضرموت، غير أن ما يجري يتجاوز مجرد تخليد ذكرى النصر على الإرهاب، ليتحول إلى مواجهة سياسية مفتوحة حول من يملك الشرعية للتحدث باسم هذه الأرض، ومن يحق له رسم ملامح مستقبلها .

الحشود الجماهيرية، التي يسعى كل طرف إلى تنظيمها، لا تعبّر بالضرورة عن قناعة شعبية راسخة، بقدر ما تعكس سباقًا سياسيًا محمومًا لفرض الذات، واحتلال موقع في المشهد القادم، فالأمر لم يعد ترديدًا لشعارات الانتصار، بل إعادة توزيع أوراق القوة والنفوذ في حضرموت .

من منظور استراتيجي، يُنظر إلى هذه التحركات كجزء من معركة كبرى تُخاض على أرض حضرموت، في لحظة إقليمية ووطنية شديدة الحساسية، فكل طرف يسعى لتكريس حضوره، إما عبر القوة الجماهيرية، أو عبر توظيف الرمزية التاريخية، لكن الحقيقة التي تتشكل بصمت، هي أن حضرموت بدأت ترفع صوتها بطريقة مختلفة، لا تميل فيها بالكامل لأي طرف، بل تبحث عن تمثيل نابع من واقعها واحتياجاتها، لا من مصالح الأطراف المتنازعة .

حضرموت اليوم تقف على مفترق طرق :
إما أن تواصل الدوران في فلك التبعية والانقسام، أو أن تتخذ خطوة جريئة نحو التحرر من الوصاية بكل أشكالها، وفرض رؤية حضرمية خالصة للمستقبل، تمامًا كما تحررت المكلا ذات يوم من قبضة الإرهاب، فإن التحرر من المشاريع الفوقية والرايات المستعارة ليس مستحيلاً .

إن الذكرى التاسعة لتحرير المكلا ليست مجرد تاريخ يُستعاد، بل مناسبة للتأمل في ما تحقق، وما ينبغي أن يتحقق، وعلى النخب الحضرمية، بكافة توجهاتها، أن تدرك أن حضرموت ليست مجرد ساحة لتجريب المشاريع، ولا منصة لاستعراض الزعامات، بل كيان سياسي واجتماعي يستحق أن يُحترم، ويُمنح حقه في تقرير مصيره بعيدًا عن الاصطفافات .

اليوم، حضرموت لا تحتاج إلى مزيد من الحشود المتقابلة، بل إلى صفّ حضرمي واحد، صلب وواضح، يعيد للناس ثقتهم بأن هذه الأرض قادرة على كتابة تاريخها بنفسها، دون وصاية، ودون انتظار من يخبرها من تكون .