
في خضم التحولات السياسية المتسارعة على الساحة اليمنية، تبرز حضرموت كرقم صعب في معادلة الحل النهائي، حيث تتسابق القوى السياسية لترتيب أوضاعها وضمان مصالحها، بينما تتطلع أنظار الكثيرين إلى حضرموت كورقة وازنة يمكن توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية هنا أو هناك لكن الحقيقة التي يتجاهلها البعض أن حضرموت لم تعد تلك المحافظة الصامتة التي تُقاد من الخارج، بل أضحت اليوم أكثر وعيًا بحقوقها وبضرورة ترتيب بيتها الداخلي على أسس صلبة تضمن تمثيلًا سياسيًا حقيقيًا وشاملًا .
في الواقع السياسي اليمني الراهن، تبرز أزمة غياب مشروع دولة وطنية جامعة تضمن شراكة فعلية لجميع المكونات دون تمييز، وسط هذا الواقع، يحق لأبناء حضرموت أن يتساءلوا :
كيف يمكن أن نخلص كمواطنين ونحن نرى القوى السياسية ترتب أوضاعها وفقًا لأجنداتها الخاصة، دون اعتبار لمصالح حضرموت وأهلها ؟
إن الحديث عن تمثيل حضرموت سياسيًا في أي استحقاقات قادمة لم يعد مجرد خيار، بل هو استحقاق تاريخي ووطني تفرضه المعادلة الجغرافية والسياسية والاقتصادية، حضرموت ليست مجرد مخزون نفطي أو ثقل ديمغرافي يمكن تجاوزه، بل هي مكون أساسي لا بد أن يكون شريكًا كاملًا في رسم ملامح المستقبل .
من التحديات الكبيرة التي تواجه حضرموت اليوم هي ظاهرة “التمثيل الزائف” لبعض الأفراد والمكونات التي تدّعي تمثيل المحافظة دون امتلاك قاعدة شعبية حقيقية أو تفويض واضح من أبناء حضرموت، هؤلاء يسعون لعقد لقاءات محدودة، ملوّحين بشعارات لا تعكس الإرادة الشعبية، بل تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة، هذه الفوضى في التمثيل السياسي أفرغت الموقف الحضرمي من مضمونه، مما أتاح للبعض استغلال اسم حضرموت وتقديمها كورقة ضغط في تفاهمات سياسية لا تخدم أبناء المحافظة بأي شكل من الأشكال .
إن ترتيب البيت الحضرمي يجب أن ينطلق من الداخل، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، وبما يضمن مشاركة كافة الأطياف والمكونات الحضرمية في صناعة القرار، فلا يمكن القبول بعد اليوم بأي قيادة تُفرض من الخارج أو بأي تحالفات لا تراعي مصالح المحافظة بشكل مباشر، الخطوة الأساسية تكمن في تشكيل جبهة حضرمية موحدة تمتلك رؤية سياسية واضحة، تعبر عن إرادة الناس وتدافع عن حقوقهم في إدارة مواردهم وثرواتهم بعيدًا عن هيمنة القوى السياسية التقليدية .
مرت حضرموت بمراحل تاريخية متعددة أثبتت خلالها قدرتها على التكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية، لكن التجربة الحالية تختلف جوهريًا، حيث تفرض الأوضاع المعقدة على الأرض ضرورة استخلاص العبر من تجارب الماضي، أحد أبرز الدروس المستفادة هو أن الاعتماد على قوى خارجية لتمثيل مصالح حضرموت لم يجلب سوى المزيد من التبعية والتهميش، لذلك، من الضروري أن تستعيد حضرموت زمام المبادرة عبر قيادات محلية واعية تمتلك شرعية شعبية، وتكون قادرة على بناء توافق حقيقي بين المكونات الحضرمية .
لا يمكن أن يقتصر ترتيب البيت الحضرمي على التوافق الداخلي فقط، بل ينبغي أن يمتد نحو بناء علاقات متوازنة مع المكونات السياسية الأخرى في اليمن، مشروع حضرموت السياسي يجب أن يكون واضحًا في رؤيته لدور المحافظة ضمن الإطار الوطني، على أن يركز على تعزيز الانتماء المحلي دون الانعزال عن المحيط الوطني، ووضع آليات تضمن استفادة أبناء حضرموت من ثرواتهم بعيدًا عن الاستحواذ المركزي أو الإقصاء، مع التأكيد على أن حضرموت ليست مجرد تابع أو هامش، بل شريك حقيقي في صياغة مستقبل اليمن .
مع اقتراب استحقاقات سياسية حاسمة، سواء على صعيد التسوية الوطنية أو الحوار بين الأطراف، من الضروري أن يتفق الحضارم على موقف موحد يضمن تحقيق مطالبهم العادلة، يجب ألا تُترك حضرموت عرضة للمساومة أو المزايدة باسمها من قِبل أي طرف كان، إن تكوين موقف تفاوضي قوي يتطلب تشكيل فريق سياسي موحد يمثل كل الأطياف الحضرمية، بعيدًا عن التجاذبات الحزبية والمناطقية .
إن التحدي الأكبر يكمن في قدرة النخب الحضرمية على مغادرة مربع الفرجة والصمت، والانتقال إلى ممارسة دور قيادي فعلي يضع حضرموت في موقع المبادرة، تحتاج النخب إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية في إحداث تغيير جوهري في النهج المتبع، وتقديم رؤية سياسية ناضجة تكون مقنعة على المستوى المحلي والوطني والدولي .
على الأطراف المحلية والإقليمية أن تدرك أن حضرموت لم تعد تلك المحافظة الصامتة التي تُفرض عليها القرارات، لقد حان الوقت لتتوقف القوى السياسية عن التعامل مع حضرموت باعتبارها مجرد ساحة نفوذ أو ورقة ضغط، وعلى المجتمع الدولي أيضًا أن يتعامل مع حضرموت كشريك حقيقي في أي عملية سلام أو حوار سياسي، وأن يدعم جهود بناء قيادة حضرمية تعبر عن طموحات الناس ومصالحهم .
إن ترتيب البيت الحضرمي ليس مجرد خطوة تكتيكية بل ضرورة استراتيجية لضمان أن تكون حضرموت حاضرة بقوة في أي تسوية قادمة، أبناء حضرموت يملكون الحق في رسم مستقبل محافظتهم بأنفسهم، بعيدًا عن الضغوط والإملاءات الخارجية، وبمنأى عن التمثيلات الوهمية التي لا تعكس الإرادة الشعبية، حضرموت اليوم أمام فرصة تاريخية لصياغة مشروع سياسي متكامل يجمع بين الواقعية والطموح، ويضع حدًا للتهميش الذي عانت منه طويلاً، والمطلوب اليوم هو إرادة حضرمية صادقة تتجاوز الخلافات الصغيرة وتضع المصلحة العامة في صدارة الأولويات .