
لقد أصبحت المعاناة في المناطق المحررة باليمن واقعاً مريراً يثقل كاهل المواطن البسيط، واقعاً لا يمكن تجاهله أو إنكاره إلا من قِبَل من يعيشون في وهم التصفيق والتهليل، أو من انفصلوا عن هموم الشعب في برجهم العاجي. تتعدد مظاهر المعاناة، وتشمل شتى المجالات من الاقتصاد إلى الأمن، ومن الخدمات إلى العدالة، في ظل حالة من التراجع العام الذي يضع كل الأطراف أمام مسؤولية لا يمكن التهرب منها.
الأوضاع المعيشية والخدمية
على صعيد الاقتصاد والخدمات، يعاني المواطنون من غياب أبسط مقومات الحياة الكريمة. الأسعار في ارتفاع جنوني لا يوازيه أي تحسين في الأجور، ما يجعل الحصول على احتياجات الحياة الأساسية أمراً شبه مستحيل. البنية التحتية منهارة، والكهرباء والمياه لا تصل إلى أغلب المناطق إلا بشكل متقطع إن وصلت. التعليم والصحة، وهما عماد أي مجتمع، يعانيان تدهوراً كبيراً، مع غياب الدعم وانعدام التخطيط من الجهات المسؤولة.
الأمن في مهب الريح
فيما يتعلق بالجانب الأمني، تشهد المناطق المحررة حالة من الفوضى والانفلات. انتشار السلاح وتعدد القوى المتصارعة أدى إلى غياب الاستقرار وشيوع الجريمة، ما جعل المواطن يدفع ثمن صراع الأطراف المختلفة على النفوذ والسيطرة.
الحرية: مسؤولية ضد الجميع
الحقيقة التي يجب أن ندركها أن مسؤولية هذا التدهور لا تقع على طرف واحد فقط، بل هي نتاج مشترك ساهمت فيه كل الأطراف، وإن اختلفت النسب والمسؤوليات بينهم. من أخطأ في التخطيط والتنفيذ، ومن استغل الفرص لتحقيق مصالحه الشخصية، ومن خذل الشعب بتقديم وعود كاذبة، جميعهم ساهموا فيما وصلنا إليه.
الحر الحقيقي، الذي يضع هموم وطنه فوق كل اعتبار، يجب أن يكون ضد كل هذه الأطراف دون استثناء. لا مجال للتعصب أو الانحياز لأي طرف على حساب معاناة المواطن. النقد البناء والمطالبة بالمحاسبة يجب أن تطال الجميع دون تمييز، فالجميع مسؤول أمام هذا الوطن الذي يعاني بصمت.
ما هو الحل؟
إن الطريق للخروج من هذا النفق المظلم يتطلب شجاعة في الاعتراف بالمشكلة والعمل الجاد على معالجتها. يبدأ ذلك بوضع خطة وطنية شاملة تعيد بناء المؤسسات وتحقق العدالة الاجتماعية. يجب أن يكون الشعب جزءاً من عملية الإصلاح، فلا صوت يجب أن يعلو فوق صوت الحق والمصلحة الوطنية.
ختاماً، لن يكون هناك مستقبل مشرق للمناطق المحررة ما لم يتحمل الجميع مسؤولياتهم، ويعملوا على تجاوز المصالح الضيقة نحو هدف واحد: بناء وطن يليق بأبنائه.