![في فنون الابتعاث 2](https://i0.wp.com/sma-news.info/wp-content/uploads/2025/01/تنزيل.jpeg?fit=200%2C200&ssl=1&resize=120%2C120&quality=75&strip=all)
لقد اشتقت كثيرا للعودة إلى الإبحار في الجيد والممتع من دستور القبيلة – إن جاز لي التعبير تسمية أعراف القبيلة وتقاليدها دستورا – وقبل ذلك أود أن أعرج قليلا في توضيح المفاهيم الخاطئة عنها ، لأن كثيرا من القوم لايفهم شيئا من دستور القبيلة إلا المفاهيم السلبية ، وينسى أو يتناسى المفاهيم الإيجابية ؛ إذ قال تعالى : “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فلا بأس أن تعتز بقبيلتك ، وأن تفتخر بنسبك ، وليعرف الآخرون من أي قبيلة أنت ، وإلى أي شعب تنتمي ، وكذلك يجب أن تعرف أنت عنهم ذلك ، شريطة أن تكون التقوى هي المعيار الحقيقي الذي تستند إليه في تعاملك ، والمقياس الثابت الذي تقيس عليه أقوالك وأفعالك .
أعود للموضوع والعود أحمد كما يقولون ، من خلال الاستماع إلى أحاديث أبي – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – إذ كنت الأكثر في إخوتي ملازمة له ، سمعته يقول حصل ذات يوم نزاع حقوقي بين شيخي قبيلتين ، فاقتنع الشيخان بالتوجه إلى القضاء ، وقبول مايحكم عليهما ، أو على أحدهما ، وقد عرف أحد الشيخين بالكبر وعزة النفس ؛ إذ ينظر إلى خصمه ، وهما في ديوان القضاء يسرد كل منهما شكواه أو دعواه أو إجابته ، وإذا مارآه ضعيفا أو متراخيا ، يفاجئه بصفعة قوية على وجهه ، وبعد ذلك يتقبل أي حكم يصدره عليه الحاكم جراء إقدامه على ذلك الفعل السافر .
وهل نفذ ذلك الشيخ المتكبر فعله المعيب يا أبي ؟ على رسلك يابني سوف أحكي لك القصة برمتها ، كان الشيخ الآخر مسالما ، ولايهمه من المشيخ إلا جمع المال ، لكنه كان يعلم خطر خصمه ، ويدرك ما قد يقدم عليه بكل جرأة ، وهو شيخ مسن لم يعد يمتلك من مؤشرات القوة ما يحميه من تجبر خصمه ؛ لذلك قرر أن يبتعث ابنه – الشاب القوي مفتول العضلات الذي يؤهله لقيادة القبيلة من بعده – لمقاضاة الخصم ، وهل كان الابن أهلا للقيام بالمهمة يا أبي ؟ أحسنت يابني إذ سألت هذا السؤال المهم ، كلا يابني لم يكن الابن مؤهلا لذلك ، فالجينات الوراثية تفعل فعلها ، غير أن الأب ربما كان يمتلك من الحيلة ما قد يجنبه وابنه لعنة تلك المقاضاة ، كيف كان ذلك يا أبي ؟ استدعى رجلا من القبيلة عرف بالشدة والقوة والشجاعة والدهاء ، وأمره بأن يرافق الابن في هذه المقاضاة ، وأن لايغفل عنه طرفة عين ، وذلك بعد أن أخبره بخطورة ما قد يقدم عليه الخصم .
وفي ديوان القضاء … للقصة بقية أيها الأحبة