وفي نهاية عام .. الواقع الجنوبي بين الإنتصار العسكري والإخفاق السياسي

30 ديسمبر 2024آخر تحديث :
وفي نهاية عام .. الواقع الجنوبي بين الإنتصار العسكري والإخفاق السياسي
ماهر باوزير

::

يمر الجنوب بمنعطف تاريخي معقد حيث تتشابك التحديات الداخلية مع التطورات الإقليمية والدولية، ورغم الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات الجنوبية خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه الانتصارات لم تُترجم إلى مكاسب سياسية ملموسة تُحدث فرقًا في حياة المواطن الجنوبي، هذه الفجوة بين الإنجاز العسكري والتقدم السياسي تكشف عن غياب رؤية استراتيجية قادرة على استثمار المنجزات لتعزيز الحضور السياسي وتحقيق التنمية الشاملة .

التحديات التي تواجه الجنوب ليست محصورة في صراع القوى الداخلية فقط، بل تتجاوز ذلك إلى افتقار القيادة الجنوبية لمشروع وطني موحد، يُلبي طموحات الشعب، ويعكس رؤية واقعية لتحقيق أهدافه، المواطن الجنوبي اليوم يُعاني من أزمات معيشية خانقة، وخدمات متدهورة، وغياب تنمية حقيقية، ما يجعل من الضروري تجاوز النهج التقليدي القائم على ردود الأفعال والتحرك نحو رسم سياسات بنّاءة تعالج المشكلات الأساسية وتؤسس لاستقرار دائم .

رغم هذه الصورة القاتمة، لا يمكن إغفال البعد الإقليمي والدولي وتأثيره المباشر على مستقبل الجنوب، فالموقع الجغرافي والاستراتيجي للجنوب يجعله محور اهتمام القوى الإقليمية والدولية، هذه الميزة يمكن أن تتحول إلى نقطة قوة إذا أحسن الجنوبيون استثمارها من خلال بناء شراكات استراتيجية تُعزز حضورهم السياسي على طاولة المفاوضات، دون المساس باستقلال القرار الجنوبي .

إلى جانب ذلك، لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي دون رؤية اقتصادية متكاملة، الجنوب يمتلك موارد طبيعية هائلة من النفط والغاز، بالإضافة إلى ساحل بحري غني يُتيح فرصًا استثمارية واعدة، لكن هذه الموارد لن تحقق أثرها المنشود دون سياسات اقتصادية تُوجّه لاستغلالها بشكل عادل ومستدام، مع التركيز على خلق فرص عمل وتحسين الخدمات العامة لتخفيف معاناة المواطن الجنوبي وتعزيز ثقته بقيادته .

إن غياب التكامل بين القوى الجنوبية يُعد من أبرز التحديات التي تُواجه تطلعات الشعب الجنوبي، هذا الغياب يُضعف الجبهة الداخلية ويُعرّض القضية الجنوبية للاستغلال الإقليمي والدولي، بدلًا من تقديمها كقضية عادلة تُطالب بحلول مستدامة، الجنوب بحاجة إلى خطاب سياسي يعكس طموحات أبنائه، ويوحّد جهوده بعيدًا عن الحسابات الفردية والمصالح الآنية التي عرقلت تحقيق أي إنجاز جوهري .

المطلوب اليوم هو الانتقال من دائرة الشعارات والمواقف المؤقتة إلى بناء رؤية سياسية واقعية تُركّز على العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، المواطن الجنوبي لم يعد يبحث عن تبريرات أو صراعات على النفوذ، بل عن قيادة تحمل رؤية شاملة تُخرجه من دائرة المعاناة اليومية وتضعه في صلب معادلة الحلول .

يبقى السؤال المحوري :
هل ستنجح القيادة الجنوبية في تجاوز خلافاتها الداخلية وتوحيد الصفوف من أجل تحقيق تطلعات الشعب؟ أم أن الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية ستظل العائق الأكبر أمام أي تغيير حقيقي؟
الإجابة ليست محصورة في يد القيادات وحدها، بل في وعي الشعب وقدرته على الدفع نحو حلول واقعية تتجاوز الانقسامات وتُعيد ترتيب الأولويات، الجنوب اليوم أمام لحظة فارقة، والتاريخ لا يُصنع إلا بإرادة تتخطى المصالح الفردية نحو بناء مستقبل أفضل .