لم يكن يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م يوماً عابراً كبقية الأيام بل يوماً خالداً توج فيه شعبنا الجنوبي الأبي حصاد مشوار طويل من النضال والتضحيات الجسام منذ ما يقرب من قرن ونيف من الزمان حتى رحيل آخر جندي بريطاني من أرضنا ليشهد الشعب منذ فجر ذلك التاريخ منعطفاً تاريخياً جديداً تجلت فيه مرحلة الزخم الثوري التواق إلى الحرية والبناء والأمن والسلام والنهضة العلمية والمجتمعية والحضارية.
فبالرغم من أن الوعي الثوري ادار الدولة الوليدة بعد الاستقلال لفترة من الزمن على حساب الوعي السياسي إلا أنه ارسى مرتكزات أستراتيجية للأمن والسلام، ودولة النظام والقانون، وأزال الفوارق الطبقية بين افراد المجتمع، وأصبح الجميع تحت طائلة القانون، وتم القضاء على الصراعات القبلية والفتن وجرّمها، وساد السلم المجتمعي، واندمج كل افراد المجتمع في التعايش والشراكة، وشُيدت المدارس والمستشفيات وشُقت الطرقات وانتشر التعليم والتطبيب المجاني، وتوفرت الخدمات شيئاً فشيئاً بالرغم من الإمكانيات المحدودة للدولة.
إلا أن القيادات السياسية الشمالية التي احتضنها شعبنا الجنوبي بحسن نواياه والنزعة العاطفية التي عُرف بها منذ القدم استطاعت اللعب على التناقضات بكل خبث ودهاء سياسي، ففتنت بين رفاق النضال الجنوبيين لتزيحهم من المشهد وجعلت نفسها الحل الوسط، فاصبحت تدير دفة السلطة والحكم وجيرت البلاد والفكر ورفعت شعار اليمننة، وأخذت تغذي عقول وافكار النشأ وتسميمها حتى غدت تلك الأفكار والشعارات من أساسيات الحياة، فخرج الشعب الجنوبي عن بكرة أبيه مطالباّ بتحقيق الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990م ظناّ منه أنها ستحقق له الرفاهية التي كان ينشدها وفق الشعارات والأفكار المغلوطة التي تشبع بها.
انصدم الشعب الجنوبي بعد تحقيق الوحدة أن الشريك الآخر كان يهدف إلى ضم الجنوب وشعبه إلى شعب وأرض الشمال تحت شعار إعادة الفرع إلى الأصل، فتم القضاء على كافة المؤسسات الجنوبية، وتدمير جيشه وتسريح معظم أبناء الشعب من وظائفهم، وتدمير النسيخ الاجتماعي، وإثارت الصراعات السياسية والنزاعات المناطقية والقبلية، والسعي إلى طمس الهوية الجنوبية، وإحداث تغيير ديمغرافي، وتكريس سياسة التجهيل، ونهب ثروات الجنوب وتقسيم ارضه وبحاره إلى مربعات للزعامات القبلية والسياسية والدينية بعد أجتياح الجنوب وإحتلاله بقوة السلاح.
تتالت الأحداث فاكتشف الشعب الجنوبي أن اللوبي الشمالي الذي دسته الاستخبارات الشمالية بعد طرد المستعمر البريطاني أخترق القيادات الجنوبية وظل ولائه للشمال وعميل لنظام صنعاء يتلقي التوجيهات والأوامر منه.. بينما أستمر القادة الجنوبيين متمترسين في خنادقهم وصراعاتهم السابقة التي كان يغذيها الشمال وهذا ما سهل لهم تنفيذ أجندتهم.
أن سردنا لهذه الأحداث ليس لمجرد السرد بل لنبين لاجيالنا وشبابنا أن الشماليين مهما أختلفوا سياسياً يظل ولائهم لوطنهم الشمال وانهم يتصفون بالمكر والخبث والدهاء فلا عهد لهم ولا ميثاق، وهذا ما تؤكدة الأحداث الأخيرة التي شهدها الشمال بعد سيطرة الحوثيين على السلطة وطرد ما تسمى بالشرعية فمعظم القيادات السياسية والعسكرية المنتمية للشرعية تخدم الحوثيين ويسلمون لهم المعدات العسكرية والعتاد ويوفرون لهم الغطاء السياسي والدعم اللوجستي ويمدونهم باسرار وخطط الحرب، ومنعوا اقتحام صنعاء والسيطرة على الحديدة ومينائها، ويتأمرون مع الحوثي ضد الشعب الجنوبي ويفرضون عليه حرب الخدمات بل ويناشدونه بغزو الجنوب.
أن ما يحز في النفس أن الساسة الجنوبيين إذا أختلفوا ضحوا بشعبهم ووطنهم وتمترس كل منهم بجبهة صراع أبدية ضد الأخر يحرض ويجيّش ويتحالف مع الأعداء في سبيل فرض إرادته، وجعلوا من انفسهم أدوات وأذناب يتحكم بهم عدوهم دون أي وعي سياسي أو حس طني.
ألا تعتبروا وتتعظوا يا من يعتبركم الشعب قادة، فيتم استخدامكم أدوات لشق الصف الجنوبي لإشباع غرائزكم المريضة لتحقيق أجندة أعداء شعبكم ووطنكم؟!.
عودوا إلى صف الشعب والوطن وشكلوا جبهة وطنية قوية محصنة، وجففوا منابع الأفكار الأنانية والخلافات الغير مبررة واختصروا المراحل لتحقيق الاستقلال الثاني لجنوبنا الحبيب، فعزة نفوسكم من عزة وكرامة شعبكم ووطنكم، فليحذر كل منكم قوله تعالى:«وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد».