الهُوية هي الساتر الأساسي للشعوب والدول لمواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدف تغيير قيمها وأفكارها، وهي الإطار الثقافي والاجتماعي اللازم لحماية الوحدة الوطنية، وتعبر الهوية الوطنية عن المشتركات المتماسكة والصلبة في مواجهة أي محاولات للتصدع والانقسامات التي قد تفرز صراعات وحروب داخلية تفتت وحدة البلاد.
في اليمن تقوم مليشيا الحوثي منذ عشر سنوات على فرض معتقداتها وأفكارها بالقوة وفق مشروع استراتيجي لطمس الهوية الوطنية واحلال هوية طائفية تقوم على أساس امتلاكهم الحق الإلهي باسم الدين وآل النبي وتريد من اليمنيين الخضوع لهم، مستخدمة اساليب وطرق ممنهجة على المدى القصير والبعيد.
التمسك بالهوية الوطنية
ومن خلال مشروعها في طمس الهوية الوطنية اليمنية استهدفت مليشيا الحوثي كل ما يتعلق بتأريخ اليمنيين وحضارتهم وثورتهم وجمهوريتهم، وشوهت كل شيء جميل في البلد وأعتبرت السبب ثورة ٢٦م، والجمهورية وربطت مشكلات اليمن ترجع لعدم وجود قائد من السلالة وعليهم الانقياد لهم الآن والتسليم للحوثي هو الحل؛ ولأجل تحقيق ذلك عمدت المليشيا إلى تغيير المناهج التعليمية وتنفذ عملية تجريف واسعة للتعليم، لتعلن عن مشروعها البديل للهوية الوطنية، فأطلقت “الهوية الإيمانية”، والتي تعني “الانقياد لمبدأ ولاية آل البيت وحصر حق الحكم في سلالتهم، وتسليم اليمنيون رقابهم للحوثيين فهم وكلاء الله والخضوع لهم وفق “الهوية الإيمانية الحوثية” جزء من التعبد وضمن فرائض الاسلام.
وبرغم استخدام شعارات دينية ودغدغة عواطف الشعب اليمني بالشعارات الرنانة، واللعب على خيبات وتراكمات الأوضاع التي مرت بها البلاد حتى يتسنى لها تقديم افكارها الطائفية وكأنها المنقذ، الا أن اليمنيين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية لم تنطلي عليهم أساليب وطرق السلالة الكهنوتية، وأدركوا مبكراً الاستهداف الممنهج لمعتقداتهم وتاريخهم ما دفعهم للتمسك بهويتهم الوطنية التي يعتقدون أنها ملجأ لهم، فالهوية بمعناها البسيط هي إحساس الشخص بأنه يعرف من هو، وهذا واضح في كثير من المواقف والأحداث العفوية التي يعبر بها اليمنيون عن انتمائهم اليمني وهويتهم الوطنية وتظهر فيها المليشيا الحوثي منعزلة ومحشورة في زاوية كعدو ولايمكن التعايش معه.
مثلت الاحتفالات الشعبية بذكرى ثورة ال٢٦ من سبتمبر المعنى الحقيقي للتمسك بالهوية الوطنية، فعلى مدى السنوات الماضية سعت المليشيا الحوثية لتشوية الثورة وصولاً لمنع الاحتفال بها، هذا الأخير استفز اليمنيين الذي خرجوا فرادى وجماعات للاحتفال بها رغم القبضة الأمنية، لم يوقفهم التحريض والملاحقة من الاحتفال بثورة ٢٦ من سبتمبر، ومثل ذلك تأتي أحداث كثيرة ومناسبات يخرج الشعب ليعبر عن تمسكه بالهوية الوطنية، وينسف كل محاولات وأنشطة وبرامج ودورات قامت بها المليشيا لسلخ الشعب عن هويته الوطنية.
إمتداد تاريخي لاستهداف الهوية
سعي المليشيا الحوثية السلالية لطمس الهوية اليمنية، وتأسيس هوية تقوم على الفكرة الطائفية تحت مسمى نظرية الحق الإلهي للحكم المنحصر في سلالة امتداد لما قامت به الدويلات الإمامية.
بحسب الكاتب اليمني الأستاذ نبيل البكيري في مقال له فإن الهوية اليمنية تعرضت لمحاولات طمس بشتى الوسائل والسبل من قبل الدويلات الإمامية انطلاقا من الفكرة المذهبية الزيدية التي تستند على مفهوم كهنوتي للحكم والسلطة تحت مسمى نظرية الحق الإلهي للحكم المنحصر في أسرة معينة.
ويضيف البكيري” هذه النظرية التي جوبهت بمقاومة يمنية سياسية وثقافية عاتية أسسها العلامة والمفكر اليمني الأشهر أبو الحسن الهمداني الذي يعد بحق أبو القومية اليمنية وصاحب كتاب الإكليل الأشهر الذي رصد من خلاله تاريخ اليمن القديم وأخبار أهله وأنسابهم وأحسابهم وحروبهم وأشعارهم وحكاياتهم”.
ويعتبر البكيري أن الفكرة الزيدية المذهبية، كانت نقيضا موضوعيا للهوية اليمنية التاريخية والحضارية، هذا التناقض الذي تفجر قديما وحالياً على شكل حروب بخلفيات مذهبية عصبوية واضحة ضد الخيارات الوطنية المجمعة على كيانية الهوية الوطنية الجمهورية للدولة اليمنية الديمقراطية المدنية الحديثة التي تتعارض مطلقا مع الرؤية الطائفية المذهبية للزيدية السياسية التي تعتبر الحوثية تعبيرا صارخا عنها اليوم.
نماذج فشل طمس الهويات الوطنية
بالنظر إلى استهداف الهوية الوطنية من قبل المليشيا الحوثي ومحاولة طمسها واستبدالها بهوية طائفية تضمن لهم الحكم والمال وتجبر اليمنيين لطاعتهم، فإن دولاً استعمارية وقوى امبريالية سعت لتغيير هويات الشعوب في البلدان التي تحتلها وهناك نماذج كثير أحبننا أن نقدم تجربة الاحتلال الفرنسي مع الشعب الجزائري لتشابه كثيرا مع المنهجية الحوثية مع الشعب اليمني فلدى المليشيا مشروع فرض التجربة الايرانية وتكرار النموذج العراقي واللبناني والسوري في اليمن.
فرنسا احتفلت في العام1930م بالمئوية الأولى لاحتلال الجزائر معتقدة أن البلد الذي خضع لتجريف هويته الوطنية على مدى مائة عام قد أصبح جزء من فرنسا، لكن الأمر كان مختلف تماما، حين اكتشفت أن البلد المستعمر أنتفض يقاوم تجريف هويته وأطلق شعار” الجزائر وطننا والعربية لغتنا، والاسلام ديننا” خاض الشعب مسيرة كفاح ومقاومة أصبحت ملهمة للشعوب ومحط اعتزاز لبلد أصبح أكثر قوة وتماسك وانتماء لوطنه، التجربة الجزائرية أكدت فشل كل محولات سلخ الشعوب من هويتها الوطنية وفرضة هوية دخيلة مهما كانت الشعوب ضعيفة وتعاني والمحتل قوي ويملك كل وسائل الترهيب والترغيب، تجارب كثيرة عاشتها مجتمعات أو دول كثيرة قديما وحديثاً أثبتت فشل القوة في فرض أي هوية.
تتوحد الأهداف التي ارادتها فرنسا في الجزائر مع أهداف إيران في المنطقة التي بدأتها في تغيير هوية الأحواز ثم هي اليوم تسعى لتغيير هوية عدد من الدول العربية التي جرتها لفوضى وحروب انتهت بسيطرة المليشيات المحسوبة على ايران للتحكم بالدولة وتنفذ سياسة طمس الهوية الوطنية والحاقها بالهوية الايرانية القائمة على نظام الولي الفقيه، وهكذا تسعى المليشيا الحوثية لفرض عبدالملك الحوثي كولي وتنعته بأوصاف وألقاب تقديسية كعلم الهدى وقائد الثورة وغيرها التي تسعى لإقناع اليمنيين بها ومعا ذلك فشلت كل محاولاتها، ويخوض الشعب اليمني كواجهة مفتوحة مع الحوثية لن تستقر حتى فرض الإرادة اليمنية أيا كانت التضحيات والكلفة.