حضرموت، المحافظة التي تزخر بالموارد الطبيعية من نفط وأسماك، تواجه اليوم تحدياً جديداً يهدد مستقبل أجيالها، مع إصدار قرار يسمح لمصانع طحن الأسماك باستئناف نشاطها .. هذا القرار جاء ليضيف عبئاً جديداً على بيئة المحافظة واقتصادها بعد عقود من استنزاف ثرواتها النفطية وإعادة تشغيل هذه المصانع، رغم التحذيرات السابقة من تأثيراتها السلبية، يثير قلقاً عميقاً بشأن مصير المخزون السمكي، خاصة أن القرار يسمح لهذه المصانع باستخدام طاقة إنتاجية هائلة تتجاوز بكثير حجم الإنتاج المحلي الفعلي .
الأرقام الواردة تشير إلى أن الطاقة الإنتاجية المسموح بها قد تصل إلى 300 ألف طن سنوياً، بينما لا يتجاوز الإنتاج السمكي المعلن في البلاد 250 ألف طن ، هذا التباين يوضح أن هذه المصانع ستستهلك كميات تفوق طاقة المخزون الطبيعي، مما يهدد بانهيار شامل للثروة السمكية، وهو ما ينعكس سلباً على الأمن الغذائي لسكان حضرموت وان تأثير هذا القرار لا يقف عند حدود الاقتصاد بل يمتد ليشمل البيئة والموارد البحرية التي تعتمد عليها شريحة كبيرة من الصيادين، الذين قد يجدون أنفسهم بلا مصدر رزق مستقبلاً .
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن القرار يبدو خاضعاً لتأثيرات سياسية أكثر منه مبنياً على دراسات علمية دقيقة. التوجيهات الصادرة لم تأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر المختصين أو الجهات المعنية مثل جامعة حضرموت، هيئة المصائد السمكية، أو الجمعيات المهنية للصيادين، مما يشير إلى غياب التشاور الحقيقي في قضايا ذات حساسية استراتيجية ، هذا الإغفال يعكس تداخلاً مريباً بين المصالح السياسية والاقتصادية، وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة .
في مواجهة هذا الوضع، من الضروري أن تتحرك الأصوات المحلية والخبراء بشكل عاجل حيث يمكن تشكيل رأي عام مستنير يضم أكاديميين ومختصين وناشطين في مجال البيئة والثروة السمكية ، الخطوة الأولى تبدأ بعقد لقاء مع السلطات المحلية وعلى رأسها المحافظ لتوضيح الآثار الكارثية المحتملة لهذا القرار ، يجب أن يتبع ذلك رفع رسالة رسمية تعكس موقف أبناء حضرموت الرافض لاستنزاف مواردهم الحيوية ، كما أن إطلاق حملات توعية ومبادرات مجتمعية يمكن أن يسهم في تعزيز الإدراك الجماعي بخطورة الموقف وضرورة اتخاذ إجراءات عملية لحماية الثروة السمكية .
الأولوية الآن هي تعليق العمل بالقرار حتى يتم إجراء دراسة متأنية حول تأثيراته الاقتصادية والبيئية، يجب أيضاً تعزيز الرقابة على نشاط المصانع وضمان التزامها بالمعايير البيئية والقوانين المنظمة للصيد ، إلى جانب ذلك، لابد من الاستثمار في بدائل اقتصادية مستدامة تعزز من قيمة الثروة السمكية دون الإضرار بالمخزون الطبيعي، مع التركيز على تفعيل دور مراكز الأبحاث المحلية .
حضرموت تستحق أن تكون نموذجاً للإدارة الحكيمة لمواردها، لا ساحة لصراعات المصالح السياسية والاقتصادية، السكوت عن هذه السياسات الخاطئة لن يؤدي إلا إلى تفاقم معاناة أهلها وتدمير مقدراتها ، المسؤولية اليوم تقع على الجميع لإعلاء صوت الحق والدفاع عن الثروة السمكية باعتبارها إرثاً وطنياً يجب الحفاظ عليه بكل الوسائل الممكنة ، لا يزال الوقت متاحاً للتحرك واتخاذ مواقف حازمة تعيد التوازن وتحمي مستقبل الأجيال القادمة .