في كل زمان ومكان، كان للمنابر هيبتها وللوعاظ مكانتهم، فهم من يُنتظر منهم أن يكونوا قدوةً حسنة وقادةً للناس في القول والفعل. لكن في لحج ، نشهد واقعًا مختلفًا، حيث نجد من يصعد على المنابر ليحدثنا عن الزهد والصبر والرضا بالقليل، بينما حياتهم الشخصية تمتلئ بالترف، ولا تمتّ إلى ما يقولونه بصلة.
يدعون الفقراء إلى القناعة وهم لم يعرفوا يوماً معنى الجوع، يطالبون بالصبر على البلاء وهم يعيشون في النعيم، ويخوفون الناس من الغنى المفسد وهم يتباهون بما يملكون. هذا التناقض بين الكلمات والأفعال أسوأ الناس.. وعاظ يقولون ما لا يفعلون.
يتحدث هؤلاء عن الفقر وكأنهم عايشوه، لكن بيوتهم عامرة بالخيرات، وثلاجاتهم ممتلئة بما لذ وطاب، وأطفالهم لم يختبروا يومًا ألم الجوع أو قسوة الفقر. يدعون الناس إلى الزهد وهم غارقون في النعيم، يمتلكون السيارات الفاخرة، ويرتدون أغلى الملابس، بينما يطالبون غيرهم بالرضا بالقليل.
فهل جاع هؤلاء يومًا؟ هل وقفوا في طوابير طويلة تحت الشمس الحارقة للحصول على فتات راتب لا يكفي لأبسط الاحتياجات؟ هل رأوا أولادهم مرضى ولم يستطيعوا توفير ثمن دواء؟ أم أنهم ينظرون إلى معاناة الناس من بروجهم العالية، يتحدثون عن الصبر والزهد من فوق المنابر، بينما يعيشون حياة مريحة بعيدًا عن هموم الفقراء؟
الوعظ ليس مجرد كلمات تلقى على الناس، بل هو قدوة وعمل. من يريد أن يدعو إلى الصبر على الفقر، فليكن أول من يجرب مرارته. ومن يدعو إلى الزهد، فليبدأ بتطبيقه على نفسه قبل أن يطلبه من الآخرين.
الناس لم تعد تثق بالكلمات الفارغة، ولم تعد تصدق من يخاطبها عن الزهد والتقشف وهو يعيش في رفاهية. هؤلاء الوعاظ نسوا أن أفعالهم أبلغ من كلماتهم، وأن الناس يرون تناقضاتهم الواضحة، ويفقدون الثقة في كل ما يقولونه.
أيها الوعاظ، إن كنتم تريدون أن تكونوا قدوة، فأثبتوا ذلك بأفعالكم، ولا تكونوا ممن يقولون ما لا يفعلون. تذكروا أنكم تحملون رسالة، وأن الناس ينظرون إليكم، فإما أن تكونوا نموذجًا يُحتذى به، أو تصبحوا مجرد أصوات لا تُسمع.يكشف زيف رسالتهم ويجعل من الصعب على الناس تصديقهم أو الاقتداء بهم.