كنت اتحدث قبل سنة مع بعض الاخوة الاعزاء في مجلس النواب فكان مجمل الحديث لقد اخذت الناس ويقصدون في المشهد السياسي اليمني من بطونها، ولايمتلكون من الامر شيء، ولايغرنك البهرجة الكاذبة والتمثيل للجميع في الورش والمنتديات والمؤتمرات انهم يدافعون عن اليمن أو يهتمون باليمن وانما الصحيح يتكسبون بالقضايا الوطنية والكل يكذب على الكل وهذا يعرفه الجميع.
وهنا رجعت بفكري الى لقاء جمعني بالشخصية الثانية في الدولة الفيتنامية قبل سنوات طويلة هنا في مدينتي، بحكم ان ابنه كان يعمل في مجموعتي البحثية، وقد كان تخرجه من الدكتوراة من عندنا. وقد دار نقاش طويل بيني وبينه وشخص من مكتب المستشارة السابقة ميركل كان معنا في جلسة العشاء. يتحدث بكل ثقة وتشعر انه يرتكز على تاريخ نضالي ورؤية وثقافة ويتحدث اللغة المانية لانه درس هنا في مطلع السبعينات. ما كان يدور في رأسي هو حال المسؤول اليمني البسيط الذي لايمتلك لاقدرة ولا كفاءة ولا رؤية ولا مشروع بمعنى غلبان لايدرك حتى مفاصل عمل وزارته او اينما يتواجد ولذا لم ينجحوا بشيء. اجدهم غلابة مكسورين وكانهم ايتام ودون قاعدة تحملهم ولاعلم يجملهم ولاينظر لهم انهم اصحاب بلد وحضارة يمتلكون ذاتهم، اي مجرد شقاة باليومية، ولو وجدوا طرف خارجي يعمل ضد بلدهم، ولكنه يدفع فلن تجد فيهم الدافع الوطني ان هناك خطوط حمراء فالكل سوف يتاجر لا استثني احد، ولكل شخص ثمنه وهذا ماتحدث به معي طرف خليجي قبل سنوات عدة. ونعود الى فهم الفيتنامي فقد كنت اجده كما نعرف عن ثقافة ثوار فيتنام برغم انه جيل متعلم ومنفتح انما يشعرك انه يمتلك الدنيا ويرتكز على ثقافة وطنية صلبة.
ثوار فيتنام يمكن استحضارهم في اي نقاش معهم وحتى مع طلابي من فيتنام، فعندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض مع ثوار فيتنام أرسلت لهم أن يرسلوا وفدا يمثلهم في باريس للتباحث حول وقف الحرب بعد أن أوغل ثوار فيتنام بالجنود الأمريكان. وفعلا أرسل الثوار وفدا مكون من أربعة ثوار وهم امراتان ورجلين كما تتحدث السرديات، وكانت المخابرات الأمريكية قد جهزت لهذا الوفد إقامة بأرقى فنادق باريس لمناقشة السلام، وجهزت لهم كل أسباب الراحة والمتعة، وكل مالذ وطاب وعندما وصل الوفد الفيتنامي إلى مدينة باريس ونزل في المطار كانت هناك سيارات تنتظر الوفد لتقله إلى مكان إقامته. هكذا تتحدث السرديات كما نعرفها وبالنص.
ولكن الوفد رفض السيارات وطلب مغادرة المطار بطريقته وأنه سيحضر الإجتماع في الوقت المحدد واستغرب الوفد الأمريكي ذلك . وسأل الامريكي رئيس الوفد الفيتنامي، وأين ستقيمون فأجاب سنقيم عند طالب فيتنامي في أحدى ضواحي باريس، فتعجب الأمريكي وقال له قد جهزنا لكم إقامة مريحة في فندق فخم، فأجاب الفيتنامي نحن كنا نقاتلكم ونقيم في الجبال وننام على الصخور ونأكل الحشائش، فلو تغيرت علينا طبيعتنا نخاف أن تتغير معها ضمائرنا، فدعونا وشأننا، هكذا يتحدث السرد لهذه الثقافة. وحتى هذه الثقافة كنت اجدها عند طلابي من فيتنام اي مكافحين لايرتهنوا لاحد ولايطلبوا مساهدة حتى من الالمان كزملاء لهم. وفعلا ذهب الوفد وأقام في منزل الطالب الفيتنامي ليقوم بعدها بمباحثات أدت لجلاء المحتل الأمريكي عن كل فيتنام.
وهنا ندرك ان لم يسجل التاريخ أن هناك من خدم وطنه وهو بورشة في خمسة نجوم وانه إلى قبل 4 سنوات دارت مئات من ورشة ومؤتمر من أجل افغانستنان والسلام، ولم يصلح شيء فيها، والذي غير افغانستان هم من امتلك ثقافة ثوار ولم يرتهنوا للخارج اتفقنا أو اختلفنا معهم لكن ذلك هو ماحصل. الكل يعرف ان من يستند على الخارج لايبني وانما يبيع وطنه باشكال مختلفة، وهناك سرديات محزنة انه عندما حصل في العراق ماحصل، الكل عرف أنه تاجر بوطنه من أجل الخارج، ولايكتفي الوقت لذكرها. فمن يتاجر بالقضايا الوطنية ويتكسب بذلك هو في خانة الاسترزاق، لانه لايوجد تعريف للارتزاق غير ذلك في التاريخ.
فالتكسب في القضايا الوطنية يدمر اجيال ومجتمع، ففي يوم ما، تواصل السرديات الفيتنامية العربية زار الجنرال جياب احد قادة الثوار الفيتناميبن فصائل فلسطينية ثورية في السبعينات من القرن الماضي، فلما شاهد حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها قادة تلك الفصائل والسيارات الألمانية الفارهة والسيجار الكوبي والبدل الايطالية الفاخرة والعطور الفرنسية باهظة الثمن وقارنها بحياته مع ثوار الفييت كونج في الغابات الفيتنامية. قال لتلك القيادات مباشرة بدون مواربة ” لن تنتصر ثورتكم “. فسألوه لماذا فأجابهم، لأن الثورة والثروة لا يلتقيان وهذا لايختلف كثيرا عن مانشاهده في اليمن، فهل يعقل أننا لم نستطيع ننتشل بلدنا ونحن نخب بعدد الحصى.
وفعلا التغيير والسلام والثورة، التي لا يقودها الوعي والرؤية، التي لاتغلف بقيم وطنية حقيقية تتحول إلى تجارة بمعاناة المجتمعات واصحاب مشاريع السلام في الاوقات المصيرية التي يكافح المجتمع للحفاظ على كرامته، والتي يغدق عليها المال الخارجي يتحول من يقوم بذلك إلى مرتزقة كما ورد. وإذا رأيت أحد يدعي أنه يفهم معاناة مجتمعه ويتألم ويريد ان يغيره وهو يسكن بفندق خمسة نجوم او بقصر أو فيلا ويأكل أشهى الأطباق ويعيش في رفاهية وترف وبقية الشعب يسكن في مخيمات ويتلقى المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة ، فأعلم أن خطره أكبر من خطر اعداء الامة لأن الآخر امامك واضح، أما هذا فهو خنجر يمزق الأمة من الداخل، وباقنعة مغلفة بالوطنية، ولذا يجب أن تتساقط الاقنعة من الذين هم تجار بالقضايا الوطنية، غير ذلك لن ننتصر ولن نجد وطن حقيقي لنا لعقود عدة، ولانضحك على انفسنا.