عن شراكة الشمال والجنوب في مظلومية إب

11 فبراير 2024آخر تحديث :
عن شراكة الشمال والجنوب في مظلومية إب
محمد عبدالله االقادري،

عندما تتفحص قضية مظلومية إب وتغوص في أعماق أعماقها ، تكتشف الكثير من الأسرار السياسية ذات التعامل بها منذ القدم والمستمرة إلى يومنا.
لم تكن مظلومية إب التي بدأت منذ عهد الأئمة محصورة على قبائل من الشمال أستخدمتها الأئمة للسيطرة على إب ونهب أراضيها من هاشميين وبكيل ومذحج وحاشد فقط ، بل أستخدم الأئمة أيضاً وأستقوى بقبائل من جزء من حضرموت وليس حضرموت كلها كهاشميين وغيرهم وقام لتمكينهم في إب ومنحهم الأراضي الكثيرة حصلوا عليها نهباً على أبناء إب ، والأدلة كثيرة ولا زالت ظاهرة ومعروفة إلى يومنا هذا ، لتتضح سياسة الأئمة الزيدية في الإستخدام والإستقواء بجزء من الجنوب ضد الجنوب وضد الوسط أيضاً ، كما هو أمر ناتج عن سياسة إمبراطوريات كالفرس والأتراك وغيرها تنفذها عبر أدواتها إنتهجتها ضد إب أيضاً.

أول من سكن إب هم الحميريون قبل ألآف السنين عبر إمتداد سكاني حميري قادم من الجنوب كتوسع ريفي يشبه توسع المدن حالياً ، لازالت إب تحمل بعض أسماء حمير كمناطق ، مثل عزلة حمير بالقفر ، وعزلة حمير في مذيخرة ، والاتجاه المتمدد بعدها كان نحو شرعب حيث هناك عزلة حمير ومثلها في مقبنة ، وأيضاً عزلة حمير في عتمة وعزلة حمير في وصاب ومنطقة حمير في ريمة وبيت حمير في إحدى مناطق حجة المحسوبة على تهامة.
بعد ظهور الإسلام أسلم جميع أبناء إب الحميريون ، ولأن الحميريون يؤمنون دوماً بفكرة الدولة كان الإنطلاق من إب لوأد تمرد الخوارج الذي بدأ في صنعاء وفي حضرموت ، أهل إب بقيادة ذو الكلاع الصحابي الجليل ، قضوا على تمرد عبهلة المذحجي الذي كان ضد فكرة الدولة وأتخذ حجة عدم دفع الزكاة وهي الطريقة المماثلة لما بدأ به حسين بدر الدين الحوثي في صعدة حيث رفض دفع الزكاة للدولة وعلى إثر ذلك نشبت أول حرب في صعدة.
وفي مرحلة ما بعد تصدي للخوارج ، جاءت سياسة الهادي الرسي فنظرت إلى إليها عبر إستخدام سياسة تمكن الهضبة وأداتهم في حضرموت عليها كون إب تشكل الخطر الحقيقي ضد السياسة الزيدية ، فهي عامل صد لقمع القادم من إتجاه صنعاء نحوها ونحو الجنوب ، وإسناد لقمع الخطر من حضرموت ضد حضرموت والجنوب أيضاً ، وأستمر العمل بتلك السياسة إلى يومنا هذا ضد إب من قبل الأئمة والدولة الجمهورية بل وشرعية اليوم ، والتفصيل والأدلة كثيرة جداً في هذا الجانب.

تعرضت إب الحميرية أيضاً للظلم من بقية الحميريون ، بعضهم ساند ظالميها ، وبعضهم خذلها وساندها أحياناً.
حمير العلياء في صعدة وغيرها ، تحالفوا مع الأئمة كالقاسمية وغيرهم وساندوهم في السيطرة على. إب وأستمر هذا الإسناد حتى مجيئ الحوثي الذي سانده أولئك أيضاً ، مثلهم مثل بقية قبائل صنعاء وما حولها.
أبناء الجنوب كان موقفهم أهون نوعاً ما ، في عملية الإسناد والخذلان هناك بحثاً طويلاً ممكن نختصره وننشر منه لاحقاً.
لكن هنا أشير إلى نوع من عدم التخلي في الجنوب ، حيث كانوا يحتضنون أبناء إب الذين شردتهم الأئمة ، أطلعت على خمس وثائق تعود لما قبل ثمانمائة سنة ، كان أبناء الجنوب في الضالع وردفان ولحج وحالمين ويافع وغيرها ، يمنحون وهبية أرض للمشرد من إب ، ولأن الحميريون في إب يعشقون أرضهم جداً ، كانوا يعودون إلى إب بعد أن تهدأ عملية الحروب ، يعودون ليعيشوا كناس يبدأون من الصفر بلا منازل بلا أراضي كون ذلك قد تم نهبه عليهم ولم يُعاد ، عندما يتجهون نحو العودة يقومون برد تلك الأرض والمنزل التي وهبت لهم من أبناء الجنوب لأهلها ، ولكن أبناء الجنوب يرفضون ويدفعون لأبناء إب ثمن ما وهبوه لهم ، ويتم كتابة وثيقة شراء أشترى الأخ فلان الجنوبي من أخيه فلان اليمني ، الشخصان من قبيلة واحدة كلاهما حميريان ، ولكن هناك دلالة على نوع الهوية المتعددة ، كما هناك دليل على أن الإسناد والترابط بين أبناء الجنوب وأبناء إب ظل باقياً في القدم ولم تؤثر عليه تعدد الهويات والتقسيمات حتى إنتهى في العهد القريب.

فيما يتعلق بالهوية ، فإن إب وحدها فقط من تسمى اليمن ، كانت تسمى يمنات نسبةً إلى الخير والأمطار واليمن والبركات ، وإب وحدها من تسمى اليمن السعيد.
هناك فرق بين يمن ويمان ، يمن هي يمنات أرض إب فقط ، ويمان جهة تشمل كلما هو من جهة يمين الكعبة ، تشمل جنوب السعودية وصنعاء وتهامة والجند وسبأ والجنوب العربي بما فيها يمنات التي تقع ضمن نطاق ذلك أيضاً.
تعرضت إب للظلم عبر الهوية من قبل أولئك الذين يدعون أنهم يمنيون وهم يظلموها ، ومن قبل أولئك الذين يدعون أنهم ليسوا يمنيون كأبناء الجنوب ويسبون هذه الهوية وهم بذلك يظلمونها أيضاً.
أتحد الجميع في الشمال والجنوب على ظلمها هويةً.
جميعكم لستم يمنيون ما عدا إب ، تعز الجند ليست يمنية ، ذمار ذو ريدان ليست يمنية ، الجنوب كله ليس يمنيون ، مأرب ليست يمنية ، كل أرض دون إب لا تعتبر يمنية.

أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى يمن ويمان في حديث واحد.
ذهب أبناء إب ضمن وفود يمانية للإسلام ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام “أتاكم أهل اليمن أرق قلوب وألين أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان ” بالنسبة لأهل اليمن فهل أهل إب الذين كانت تسمى حينها يمنات وهم من يقصد بهم وحدهم فقط أرق قلوب وألين أفئدة ، وأما البقية من كانوا معهم فهم من يقصد بهم الإيمان يمان والحكمة يمانية ويدخل أبناء معهم أيضاً كون جهة يمان تشمل كلما هو من جهة يمين الكعبة.
قد نعترف لكلما هو من يمين الكعبة حتى البحر العربي بالإيمان والحكمة والفقه ، ولكن أرق قلوب وألين أفئدة فلا ، هو أمر مخصوص بأهل إب.
لو بحثت في كل الجزيرة العربية لن تجد أطيب من قلوب أبناء إب ولا أكرم منهم.
أعمل إستطلاع في شهر رمضان في كل المحافظات ، ستجد أن أبناء إب هم وحدهم من يفتح منازلهم للضيافة ويتسابقون ويتنازعون فيما بينهم على أخذ الناس إلى منازلهم.
في إب حتى الفقير الذي لا يجد إلا قوت يومه تجده فاتح منزله للإطعام فيشعرك بالغنى والسعادة عندما تحل ضيفاً عليه ، بينما الأغنياء في المناطق الأخرى لا يمتلك ما يتسم به فقير إب فيشعرك بالفقر والجوع.
لن تجد أجمل بلداً من بلاد إب ، يمان هويات متعددة ، ويمن هوية واحدة تخص إب فقط ، وهو شرف لها ولا يستحقه البقية.

أشار النبي عليه الصلاة والسلام أن نفس الرحمن من أرض اليمن ، من أرض إب وحدها التي أمدها بالخضرة والجمال والطيبة ، وإذا أردتم أن ينفس عليكم الرحمن فقوموا بإنصاف إب من جميع من ظلمها وتخلو عن سياسة الظلم نحوها ، مالم ستظل لعنة مظلومية إب تلاحقكم جميعاً ولن ينتصر ويستقر لا جنوب ولا شمال.