أكون صادقا كنت من اوائل المتحمسين لإسقاط النظام الحاكم في صنعاء في ما يسمى ثورة 11-2-2011م
أتذكر إنه تم إيقاف الدراسة في جامعة عدَن بعد انشقاق قائد الفرقة الأولى، علي محسن الأحمر، وبدأت الأمور تتعقد أكثر فأكثر، وبدأت التكهنات في حرب أهلية في صنعاء بين الفرق العسكرية الموالية لصالح والمعارضة له
أو مايسمى “” حرب العائلة “”
عدت من عدَن إلى القرية وهناك انعدمت مصادر الأخبار العاجلة والتي كانت تبثها قناة سهيل وقناة الجزيرة التابعتان للإخوان المسلمين، واكتفيت بالإذاعة الرسمية والتي كانت تنقل خطابات الزعيم صالح الذي كان لا يكل ولا يمل، واتخذ شعار ” الشارع بالشارع “كان باستطاعة صالح أن ينتصر في الحرب لكنه فضل السلم والاحتكام للعقل، كان صالح حريصٍ على استقرار اليمن والدم اليمني، وفي كل خطاباته التي كان يلقيها كان يحذر من انهيار الدولة وانقسام اليمن إلى دويلات متناحرة، وكشباب أثر فينا الخطاب التعبوي للإخوان المسلمين وإن اليمن سوف يستقر والبطالة سوف تنتهي وسوف ينعم الشعب بالرخاء والإستقرار والوظائف وسوف تحل القضية الجنوبية وقضية حروب صعدة وغيرها من التراهات التي كان يطلقها الإخوان المسلمين كل هذا الخطاب جعلنا ننظر إلى صالح ونظامه على انه نظام فاسد، يجب إسقاطه.
كنت احيانا أقطع مايقارب عشرة كيلو مترا مشياً على الأقدام رفقت عدد من الشباب كي أتابع اخر تطورات الأوضاع في صنعاء وأخبار الانشقاقات وقرب نهاية صالح واليوم الذي نرى فيه صالح مسجونا في احد السجون كنت اتفاعل جداً مع تصريحات محمد قحطان القيادي في حزب الإصلاح، وتنبأت رجل الدين الزنداني”وشعار الشعب يريد إسقاط النظام “”وارحل ارحل “” ولا تراجع لا استسلام حتى يسقط النظام ” ومن جمعة النصر إلى جمعة الكرامة، حتى وصل الأمر إلى جمعة رجب والتي كانت وصمت عار في تاريخ اليمن على مر العصور ، وفيها تم استهداف رموز النظام الحاكم في مسجد دار الرئاسة وعلى رأسهم صالح نفسه الذي نجا باعجوبة، ليخرج بعدها صالح في رسالة للشعب من أرض الحرم “” إذا أنتم بخير فانا بخير “” احسست بعدها أن هذا الرجل يحمل هم شعب بأكمله ويعرف معنى انهيار النظام وسقوط الدولة عكس من يسعى لاسقاط الدولة وتفكيك النظام.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر عودة صالح إلى اليمن منتقما ممن كان السبب في تفجير دار الرئاسة، إلا انه تفاجأنا بتنازل الزعيم عن السلطة والحكم بعد أكثر من ثلاثين سنة في رئاسة اليمن، الدولة الأكثر فقراً وذات التركيبة القبلية، المعقدة جداً، والتي كانت الأعراف القبلية جزءًا من نظام الحكم فيها، رقص صالح أكثر من ثلاثة عقود على رؤوس الثعابين، وعندما انهكه الرقص تخلى عنه ، ليفشل كل من حاول تقليد صالح في ذلك، وهنا صدق القائل حين قال عبث تحاول الغربان تقليد الحمام،
كان صالح رجل استثنائيا خبر اليمن شمالاً وجنوباً ودرس التركيبة القبلية لليمن وكان صالح يعي جيداً ما تؤول اليه الأوضاع في اليمن في حالة الدخول في حرب أهلية لذلك قرر التنازل عن السلطة، بمساعدة الأشقاء في العربية السعودية، لنائبه عبد ربه منصور هادي والذي حاول بكل ما أوتي من قوة إعادة الأمور إلى نصابها دون جدوى في ذلك لعدة اسباب أبرزها سيطرة النظام القبلي على مفاصل القرار في صنعاء، ومحاولة حزب الإصلاح الانفراد بالسلطة والحكم حاول هادي تفكيك الدولة ومؤسسات الجيش العائلي حسب قولهم وارتكب خطأ في ذلك القرار ليسهل على المليشيا إسقاط صنعاء.
لتدخل اليمن بعد ذلك في مفترق طرق بعد زحف مليشيا الحوثي الإرهابية نحو العاصمة صنعاء بعد اتفاق مايسمى السلم والشراكة، واسقاط الجرعة ومعها سقط اليمن إلى هاوية المجهول وأصبح ساحة للصراعات الدولية وتقاسم النفوذ بين الدول الكبرى
سقط هادي وسقط اليمن في براثين عصابة إرهابية، هرب الثوار ومن نادى يوم لاسقاط النظام، وبقى صالح يحاول الرقص مجدداً على رؤوس الثعابين لكنه لم يفلح واخطأ وكان الثمن حياته، في مشهد تقشعر منه الأبدان، ليبقى صالح خير من حكم اليمن وخير من رقص على رؤوس الثعابين.
سقط النظام إلى غير رجعة وهرب الثوار إلى قصور تركيا وبقى الشعب يعاني ويلات إسقاط النظام فعدَن لا دولة فيها وصنعاء استوطنها السل والجرب…